للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ ـ أحكام الأسرى وحقوقهم:

وهو باب واسع الأبعاد، إلا أننا نختار منه بعض اللقطات، بما يحقق لنا الغرض من هذا البحث، ونركز على الجوانب التالية:

(أ) الموارد التي يجوز فيها التأسير.

(ب) كيفية الاستئسار.

(ج) إطلاق سراح الأسرى.

(د) حقوق الأسرى.

(أ) الموارد التي يجوز فيها الاستئسار:

ويذكر فيها الفقهاء ـ عادة نوعين من المحاربين: الكافرين، والبغاة.

الكافرون:

{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٦٨) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنفال: ٦٧ ـ ٦٩] .

ويقول تعالى: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: ٤] .

والآيتان واضحتان في حكم واقعي هو التفريق بين حالتين:

الحالة الأولى: فيما لو لم يتم الإثخان والتمكن في الأرض فإنه تقتضي المصلحة؛ القضاء على كل عنصر يمكنه أن يقلب الموازين لصالح العدو، ولا معنى ـ حينئذ ـ للتأسير، وإذا كانت الآية الكريمة تلوم المسلمين على تأسير بعض الكفار في هذه الحالة فهي تشير إلى المصلحة الآنفة، والتي لا يعدلها رجاء الفدية التي تتوقع بعد الأسر، وهي عرض دنيوي لا قيمة له في قبال النصر.

الحالة الثانية: وهي ما لو تم التمكن، وبدرت بوادر النصر، (حتى قبل انتهاء الحرب) فحينئذ يجوز الأسر بشد الوثاق، لئلا يهربوا. وحينئذ يختلف الفقهاء في موضوع الأسير بعد أسره والحرب قائمة فيرجح بعضهم أن الإمام مخير فيهم بين الفداء أو المن فقط، في حين يجيز بعضهم الآخر له القتل ـ أيضًا ـ إذا رأى المصلحة في ذلك، استنادًا للآيات الآمرة بقتل المشركين. (١) .

والحقيقة؛ أن الأمر في ذلك يتبع الخطر المحدق بالجيش الإسلامي، وليس هناك ما يمنع من قتله إذا كان فيه الخطر على المسلمين.

أما إذا تم الأسر بعد الحرب (فإن الإمام مخير في المن عليه، أو أخذ الفداء، أو الاستفادة من عمله. ولا يجوز ـ في هذه الحالة ـ قتل الأسير) (٢) .

وفي الرواية عن الصادق (ع) :

"كان أبي يقول:. . . إذا وضعت الحرب أوزارها، وأثخن أهلها، فكل أسير أُخذ على تلك الحال فكان في أيديهم فالإمام فيه بالخيار؛ إن شاء مَنَّ عليهم، وإن شاء فاداهم بأنفسهم، وإن استعبدهم فصاروا عبيد" (٣) .


(١) تراجع الكتب التالية:التذكرة: ١/ ٤٢٥، والمنتهى: ص ٩٢٧؛ والميزان: ١٨/ ٢٤٢؛ومسالك الأفهام: ٢/ ٣٣٥؛ وكنز العرفان: ١ /٣٦٥؛ وأحكام القرآن، للجصاص: ٥/ ٥٢٤، والتبيان في تفسير القرآن: ١/ ٢٩١
(٢) يراجع: المبسوط: ٢ /١٢ ـ ٢٠؛ والتذكرة: ١/ ٤٢٤؛والنهاية: ص ٥٣؛ والجمل والعقود: ٥/ ٦٢؛ والإصباح: ص ٧٣؛ والمهذب: ص ١٠٠؛ والسرائر: ص ١٧١؛ وإشارة السبق: ص ١٨٧؛ والشرائع: ص ٢٠٧؛ والمختصر النافع: ص ٢٢٨؛ والجامع لابن سعيد: ص ٢٣٦؛ والقواعد: ص ٢٤٨، واللمعة الدمشقية: ص ٢٧٤؛ والمسالك: ١/ ١٥٢؛ والمنتهى: ٢/ ٩٢٧؛ والتحرير: ١/ ١٤٠، والخلاف: ٢/ ٣٣٢؛ والمختلف: ١/ ٣٣١؛ والغنية: ص ١٥٨، و١٦٠؛ وفقه القرآن: ص ١٣١
(٣) تهذيب الأحكام: ٦ /١٤٣

<<  <  ج: ص:  >  >>