للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هل يكره المريض على التطبيب؟

إن هذه المسألة - كما لا يخفى - متفرعة من الاختلاف السابق بين الفقهاء في حكم التداوي، وذلك لأن من قال بحرمة التداوي، لا شك أنه يقول بعدم جواز إكراه المريض على التطبيب، ومن قال بوجوب التداوي، فحينئذٍ لا يحتاج إلى الإذن، إذ أن عدم تداويه يكون محرمًا، وحينئذٍ يجب أن يعان على أداء الواجب، ومن هنا يأتي هذا السؤال على ضوء بقية المذاهب الأخرى.

ونرى من نصوص الفقهاء من يقول بعدم إكراه المريض على التداوي والتطبيب حيث يقولون: إن الأصل هو إذن المريض، ولذلك لا بد أن يكون التداوي بإذنه وأنه لا يكره على الدواء وغيره (فلو امتنع حتى مات لم يأثم) (١) .

وهذا القول نابع من أن التداوي مباح أو مستحب، ولذلك لا يأثم على ترك المباح أو المستحب كما هو معروف في الأصول.

ويمكن أن يستدل لهؤلاء بما رواه البخاري ومسلم بسندهما عن عائشة - رضي الله عنها - لددناه في مرضه، فجعل يشير إلينا: لا تلدوني فقلنا: كراهية المريض للدواء. فلما أفاق، قال: (ألم أنهكم أن تلدوني؟ قلنا: كراهية المريض للدواء، فقال: لا يبقى في البيت أحد إلا لد وأنا أنظر إلا العباس فإنه لم يشهدكم) (٢) .

ويمكن أن يجاب عن هذا الحديث بأنه لا يدل على المطلوب، حيث يقول الحافظ ابن حجر (٣) : (لكن اللدود كان نهى عنه، ولذلك عاتب عليه، بخلاف الصب، فإن كان أمر به فلم ينكر عليهم، فيؤخذ منه أن المريض إذا كان عارفًا لا يكره على تناول شيء نهى عنه، ولا يمنع من شيء يأمر به) (٤) .

وقال القسطلاني: (وإنما أنكر التداوي لأنه كان غير ملائم لدائه، لأنهم ظنوا أن به ذات الجنب، فداووه بما يلائمها ولم يكن به ذلك) .

وذهب آخرون إلى أن الدواء المقطوع به محرم عند خوف الموت (٥) بناء على أنه بمثابة الانتحار المحرم الذي يمنع منه المسلم، بالإضافة إلى أنه إلقاء النفس في التهلكة دون تحقيق غرض منشود شرعًا: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥] .

وبناء على هذا القول لا عبرة بإذن المريض.


(١) المجموع: ٥/١٠٣؛ والفتاوى الهندية: ٥/٣٥٤؛ وابن عابدين: ٦/٣٨٩.
(٢) فتح الباري: ١٠/١٦٦، واللدود هو الدواء يصب في أحد جانبي فم المريض، وانظر: النووي على مسلم: ٤/١٩٩.
(٣) فتح الباري: ١٠/١٦٦، ١٦٧.
(٤) إرشاد الساري: ٨/٣٧٦.
(٥) الفتاوى الهندية: ٥/٣٥٥؛ والإحياء للغزالي: ٤/٢٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>