وأختم كلامي بهذا، وأرجو من المجمع الموقر تحاشي إصدار أي قرار يجيز بيع الوفاء لما يترتب على ذلك من مخاطر، ولأنه حقيقة لا يصح إصدار قرار عام فيه ومسألته مسألة ضرورات وكل إنسان ربما يعلم الضرورة إذا واجهها، يعلم إذا كان يحل له شرب الخمر خشية أن يغص ويموت أو يصح أن يأكل الميتة لأنه في وضع ليس عنده طعام ويهلك، هو نتركه يرى الضرورة ويعرف أنه محاسب أمام الله على تخطي الحدود إذا طبقها على نفسه دون مبرر، أما أن نعطي بيانًا أو قرارًا عامًّا بأن هذا البيع من حيث المبدأ، هكذا يصح ففي ذلك مجانية للصواب، والله أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور علي أحمد السالوس:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.
لاحظت منذ الأمس ظهور اتجاه جديد إلى إنشاء اجتهادات تنفصل عن آراء السابقين واجتهاداتهم، وهذا قد يكون له محاسنه ولكن - أيضًا - قد يكون له محاذيره، والذي أرجوه أن يكون لهذا المجمع الموقر منهج واضح في الاجتهاد حتى لا يقع في التناقض. سادتنا الفقهاء الأعلام لكل منهم منهجه المعروف، على سبيل المثال إذا قلنا ما قاله كثير من الإخوة بالأمس بإباحة الاستصناع كعقد بيع مع غياب كل من العوضين، وقعنا في تناقض مع فتوانا السابقة بمنع البيع إذا غاب العوضان، وبما قلناه في بيع المرابحة، وباستدلالنا بالحديث الشريف:((لا تبع ما ليس عندك)) وبمنع بيع الكالىء بالكالىء، وبما استقر عليه الأئمة جميعًا بل استقر عليه العمل منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا كنا سنخرج على هذا كله فلا بد أن يكون لنا منهج معروف، لماذا سنخرج؟ ما الضرورة إلى هذا الخروج؟ وما منهجنا الجديد الذي سنبني عليه هذه الفتاوى؟ هل هو العرف والعمل؟ العرف والعمل الآن أن الناس يتعاملون بالتأمين وقد منع المجمع التأمين، العرف والعمل الآن التعامل مع البنوك الربوية، وقد منع المجمع هذا. إذن على أي أساس سيقوم مثل هذا الاجتهاد الجديد؟.
ملحظ آخر، وهو أن المخارج التي تظهر في عصرنا قد تكون نتيجتها من حيث الناحية العملية أسوأ من الشيء نفسه الذي نبحث له عن مخرج، وأضرب هنا مثلًا، بيع الوفاء عندما انتشر في مصر ولجأ إليه من أراد ألا يتعامل بالربا كانت النتيجة أن ذهبت عقارات كثيرة وضاعت من أيدي الناس مقابل أموال أخذوها والعقارات أكبر بكثير من هذه الأموال حتى اضطر القانون المصري وهو يبيح الفوائد الربوية، اضطر إلى منع بيع الوفاء نتيجة هذه الأضرار في الواقع العملي.
وأضرب مثلًا آخر: أحد الإخوة سألني قال: أنا بعت سيارتي بأربعين ألفًا وأمهلت المشتري خمسة أشهر، فقلت له: جزاك الله خيرًا، ثم قال لي: ولكن وجدت المشتري يبيع السيارة فاشتريتها منه بثمانية وعشرين ألفًا، فقلت له: أنت أسوأ من البنوك الربوية لأنك أخذت فوائد أكثر من ١٠٠ %، إذن هنا أرجو أن ننتبه إلى المحاذير - وشكر الله الأخ الدكتور أنس لما بينه هنا - المحاذير عند الخروج بمخارج نرى أنها شرعية وتمنع الحرام، ننظر إلى الواقع العملي في عصرنا.
نقطة أخيرة: مسألة البنوك الإسلامية والإيداع بفوائد ربوية، عندنا أخوان كريمان مسؤولان عن بنكين إسلاميين فإن كانا يفعلان هذا فليخبرانا حتى نقول بأن هذه البنوك ليست إسلامية، وإن كانوا لا يفعلون هذا، فأرجو ألا نلقي الأمور على عواهنها بغير دليل، فالذي نعرفه أن البنوك الإسلامية لا تلجأ إلى هذا بل ما قامت إلا لتحرير أموال المسلمين من الربا. وأكتفي بهذا القدر، وشكرًا ومعذرة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.