النقطة الثانية والأهم: انظروا ماذا يحصل لو قلنا ببيع الوفاء اليوم. خذوا - مثلًا - الشركات، شركات تريد أن تحصل على تمويل، بدل أن تزعج نفسها بالبحث عن بدائل شرعية متاحة - الحمد لله - الآن في كثير من البلاد من خلال مؤسسات مصرفية إسلامية بدل ذلك، كل شركة لديها بعض العقارات ولديها بعض الآلات، أفران الإسمنت، آلات النسيج، أموال استعمالية تقبل الإجارة، يبيعون هذا المبنى الذي تستعمله الشركة أو بعض مستودعاتها بيع وفاء، ويدفعون عنه أجرة شهرية تساوي الفائدة التي يرغب ذلك المصرف في تقاضيها، ثم إذا ردوا المال شطبت الورقة التي كتب بها أن المصرف صار مالكًا لهذا العقار - هذا الملك العابر الذي لا أثر له إلا بشكل عابر - يعود إلى الشركة.
إذن الآن أي مصرف حتى لو كان من أكبر المصارف الربوية في العالم يستطيع في ليلة واحدة أن يتحول إلى مؤسسة مالية إسلامية، كل ما يقوله من يريد أن يقترض مني بالفائدة ليكن عنده مال يقبل الإجارة شرعًا، وكل مال استعمالي يقبلها. يأتيني بهذا المال وأنا أرتب أمر القرض، علينا أن نعمل بمختلف أنحاء العالم للتخلص من بلوى الربا والخروج من حالة الضرورة إليه إلى حالة البدائل الشرعية التي لا شبهة فيها والتي تسلك إلى التمويل الطرق المباحة والتي تنتج لجميع أفراد المجتمع ومؤسساته وبسبل مشروعة.
أنتقل إلى النقطة الرابعة والأخيرة، ما الموقف المناسب من بيع الوفاء اليوم؟ يبدو - والله أعلم - أنه من الضروري أن نتذكر أنه أصلًا من قال به قال به كحكم لضرورات فردية أو ما يحل محلها في الأحكام من حاجات اجتماعية ملحة لا تجد لها وفاء إلا بالوقوع في الربا الصريح، فأخرجوا لهم شيئًا يبعدهم عن صراحة الربا، نحن اليوم لا يحق لنا لا فقهًا ولا منطقًا أن نسحب على أنفسنا ومجتمعاتنا هذا الحكم الاستثنائي قبل أن نبين ونبرهن على أننا نحن أيضًا واقعون في مثل هذه الضروروات، ويمكن أن يعترض معترض ويقول: طيب أنتم بارعون في الرفض والتحريم، ولكن ما هو البديل إذا كنتم تريدون منع بيع الوفاء فما البديل له؟ جوابي ببساطة، إن كل الجهود الفكرية والعملية التي بذلت وتبذل في تطوير وتوفير صيغ التمويل الإسلامية المعاصرة سواء أكانت جهودًا في البحث عن الحلول أو إقامة مؤسسات مالية هي البديل العام لكل صيغة تمويل محرمة ومنها بيع الوفاء، فالبديل أن نلجأ ليصغ التمويل الإسلامية التي لا تجعل الفرد في وضع يضطر فيه إلى الربا فإن أراد تجاوزه ذهب إلى مسألة فيها شبهة شديدة كبيع الوفاء.