من المسلمات الشرعية أنه في القرض لا يحل أن ينال المقرض بالقرض منفعة وبخاصة منفعة من جنس منفعة ما يمكن إيجاره من عقار أو منقول، هذه من البديهات المسلمة لدى الجميع والحمد لله. الآن بيع الوفاء كما ذكر غير واحد من العلماء الأكابر القدامى والمعاصرين الذين بينوا ووضحوا حقيقته، هذا البيع يؤول إلى أن يضمن للمقرض الذي هو مشترٍ في بيع الوفاء أن يسترد رأس ماله وينتفع من هذه العين المبيعة بيع وفاء ينتفع بها بصورة مباشرة أو بإيجارها من أحد آخر إذن واضح تمامًا أن هذا العقد كما صرح به من كتبوا وفصلوا أحكامه هو يؤدي إلى هذه النتيجة. الآن الذين أجازوه أيضًا صرحوا بأنهم لم يجيزوه إلا تحت ضغط الضرورة الماسة، هكذا بينه عدد من الأوراق المقدمة إلى هذا المجمع الموقر، كما بينه فضيلة الشيخ الميس الذي لخص الموضوع وهنا أيضًا أمامي صفحات من الموسوعة الفقهية الكويتية في بند البيع، تقول: إنه للضرورة الماسة، هذا ما يقوله بعض متأخري الشافعية أيضًا ويؤكدون بذلك ما قاله من سبقهم من الحنفية الذين أجازوه، إذن الذين أجازوا هذا البيع إنما أجازوه تحت ضغط الضرورة الماسة حتى لا يقع الناس في الربا الصريح. الآن إذا احتفظنا بهذه الحقيقة في أذهاننا أمكننا أن نطرح الآن نقطتين: النقطة الأولى أريد أن أنبه لخطورة إباحة بيع الوفاء اليوم، هذا حكم استثنائي قال به من قال به لضرورة وجدت في مجتمعات مسلمة في القرن الخامس ثم قلدهم آخرون في مجتمعات أخرى قد تكون واقعة تحت ضغط الضرورة المشابهة لما واجهه الأولون، الآن لو أخذنا به اليوم تقليدًا من سبقنا دون تروٍّ فيما إذا كنا نحن أيضًا واقعين تحت ظروف الضرورة التي جعلتهم يقولون به، ربما نقع في مخاطر كبيرة أذكر بعضها. إذن أريد أن أذكر بضع نقاط عن خطورة إباحة بيع الوفاء اليوم.
أولًا: من الصعب أن نجد مبررًا شرعيًّا أو منطقيًّا لقصر بيع الوفاء على العقارات، المنطق الذي يدعو إلى القول به في العقارات يجري أيضًا في المنقولات، إذا كنت أنا أملك سيارة وأخي يملك أرضًا أو دارًا فكيف تبيح لأخي أن يبيع داره بيع وفاء ولا تبيح لي أن أبيع سيارتي بيع وفاء؟ وإذا قلنا في السيارة ما الذي يمنع أن أبيع ساعتي بيع وفاء، وسجادة أيضًا في البيت عندي؟ لا نستطيع منطقيًّا ولا فقهيًّا أن نقف عند حد العقارات، هذه النقطة.