للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشرط الثاني الخاص بالاستصناع أن يكون مما يجري فيه التعامل بين الناس كطست وقمقم وخفين كأن يقول اصنع لي خفًّا طوله كذا وسعته كذا أو دستًا أي برمة تسع كذا ووزنها كذا على هيئة كذا بكذا، ويعطي الثمن المسمى أولًا يعطي شيئًا فيعقد الآخر معه وهذا جائز استحسانًا تبعًا للعين أما ما لا تعامل فيه فيمتنع ويرجع فيه للقياس الذي يقتضي المنع وعدم الجواز لأنه بيع معدوم وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عند الإنسان ورخص في السلم وهذا ليس بسلم لأنه لم يضرب له أجل. والقياس يترك بالاستحسان والاستحسان هنا هو الإجماع الثابت بالتعامل فإن الناس في سائر الأعصار تعارفوا الاستصناع فيما فيه تعامل من غير نكير والقياس يترك بمثله كدخول الحمام ولا يشكل ذلك بالمزارعة لأن للناس فيها تعاملًا على أن المعدوم قد يعتبر موجودًا حكمًا وقد ذكرنا أن المعقود عليه العين دون العمل وإنما العمل تابع. وعليه فمن شروط الاستصناع أن يكون مما فيه تعامل بين الناس أما ما لا تعامل فيه فإنا نرجع إلى القياس المقتضي للمنع لوجود الجهالة والعدم ويحمل على السلم ويأخذ أحكامه ومعلوم أن من شروط المسلم فيه أن يكون معلوم الجنس كأن يبين أنه من حنطة أو شعير وأن يكون معلوم النوع كأن يقول حنطة سقية أو سهلية أو جبلية وأن يكون معلوم الصفة كأن يقول جيدة أو رديئة أو وسط وأن يكون معلوم القدر بالكيل أو الوزن أو العد أو الأذرع.

وكل هذه الشروط ترجع إلى إزالة الجهالة المفضية إلى التنازع وأن يكون رأس المال والمسلم فيه مختلفين جنسًا تجوز النسيئة فيه بينهما فلا يجوز إسلاف الذهب والفضة أحدهما في الآخر لأن ذلك ربا ولا يجوز تسليم الطعام بعضه ببعض على الإطلاق لأنه ربا ويجوز إسلاف الذهب والفضة والحيوان والعروض والطعام كما يجوز إسلاف العروض بعضها ببعض (١)


(١) البدائع: ٥/٢٠٧، ورد المحتار: ٤/٢١٥ ـ ٢١٧، والقوانين الفقهية، لابن جزي: ص٢٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>