للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأخبر تعالى أن رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم كان معروفًا عندهم لأجل الإحاطة بصفته في كتبهم. وحيث اشترطنا الصفات في الغائب أو السلم ونحوه من كل ما كان معدومًا عند التعاقد فينزل كل وصف على أدنى رتبة وعلى صدق مسماه لغة وذلك لعدم انضباط مراتب الأوصاف في الزيادة والنقض حتى لا يؤدي إلى التخاصم والتشاجر.

والقوانين الوضعية المدنية اشترطت هذا الشرط وهو أن يكون المبيع معينًا أو قابلًا للتعيين ببيان طرق التعيين الأحق فإذا كان الشيء محل التزام مما يعين بذاته وجب أن تكون ذاتيته معروفة وإذا كان الشيء مما يعين بنوعه لزم أن يذكر جنسه ونوعه ومقداره (١) والشرع والقانون وإن اتفقا على هذا الشرط من حيث المبدأ فقد اختلفا في التطبيق فالفقهاء يوجبون تعيين محل العقد تعيينًا تامًّا لا يتطرق إليه احتمال وإلا كان العقد فاسدًا عند أبي حنيفة وباطلًا عند غيره وأهل القانون يكتفون بكون المحل قابلًا للتعيين وإن لم يكن معينًا وقت العد كالتعهد بتوريد أغذية معينة النوع لمدرسة أو مستشفى. والعقود ثلاثة منها ما يرد على الذمم فيكون متعلقة الأجناس الكلية دون أشخاصها ويحصل الوفاء بمقتضاها بأي فرد من أفراد ذلك الجنس فإن دفع فردًا منه فظهر مخالفته للعقد رجع بفرد غيره وتبينا أن المعقود عليه باق في الذمة إلى الآن حتى يقبض من ذلك الجنس فردًا مطابقًا للعقد هذا متفق عليه. القسم الثاني مبيع مشخص الجنس فهذا معين وخاصيته أنه إذا فات ذلك المشخص قبل القبض انفسخ العقد اتفاقًا واستثنى من المشخصات صورتان: النقود إذا شخصت وتعينت للحس هل تتعين أم لا؟ وفي ذلك أقوال ثلاثة، الصورة الثانية المستثناة من المشخصات ما إذا كان لأحد على أحد دين فلا يجوز أن تأخذ فيه سكنى دار أو ثمرة يتأخر قبضها وهو يؤدي إلى فسخ الدين في الدين وقيل بجواز ذلك للتعيين، والتعيين لا يكون إلَّا في الذمة وما لا يكون في الذمة لا يكون دينًا، الأول لابن القاسم والثاني لأشهب من المالكية. القسم الثالث من الأقسام الثلاثة ما لا هو معين مطلقًا ولا هو غير معين مطلقًا بل فيه شبه للطرفين وهو بيع الغائب على الصفة فهو من جهة أنه غير مرئي أشبه ما في الذمة ولذلك قيل ضمانه من البائع وهو من جهة أن العقد لم يقع على جنس بل على مشخص معين أشبه المعين من هذا الوجه ولذلك قيل أن ضمانه من المشتري (٢)


(١) انظر موجز النظرية العامة للالتزامات، للدكتور/ عبد الحي حجازي: ص٦٦ وما بعدها
(٢) انظر الفروق، للقرافي في الفرق ١٨٩: قاعدة ما يتعين من الأشياء وما لا يتعين في البيع ونحوه: ٣/٢٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>