حكم الاستصناع عند الجمهور هو حكم السلم تبعًا لرأيهم في الاستصناع كما بينا من قبل. أمَّا الحنفية فيبين الكاساني رأيهم حيث يقول:
(وأما حكم الاستصناع فهو ثبوت الملك للمستصنع في العين المبيعة في الذمة، وثبوت الملك للصانع في الثمن ملكًا غير لازم – على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
وأما صفة الاستصناع فهي أنه عقد غير لازم قبل العمل في الجانبين جميعًا بلا خلاف، حتى كان لكل واحد منهما خيار الامتناع قبل العمل، كالبيع المشروط فيه الخيار للمتبايعين أن لكل واحد منهما الفسخ، لأن القياس يقتضي أن لا يجوز لما قلنا، وإنما عرفنا جوازه استحسانًا لتعامل الناس، فبقي اللزوم على أصل القياس، (وأما) بعد الفراغ من العمل قبل أن يراه المستصنع فكذلك، حتى كان للصانع أن يبيعه ممن شاء كذا ذكر في الأصل، لأن العقد ما وقع على عين المعمول بل على مثله في الذمة لما ذكرنا أنه لو اشترى من مكان آخر وسلم إليه جاز. ولو باعه الصانع وأراد المستصنع أن ينقض البيع ليس له ذلك. ولو استهلكه قبل الرؤية فهو البائع إذا استهلك المبيع قبل التسليم، كذا قال أبو يوسف.
فأما إذا أحضر الصانع العين على الصفة المشروطة فقد سقط خيار الصانع وللمستصنع الخيار، لأن الصانع بائع ما لم يره، فلا خيار له، وأما المستصنع فمشتري ما لم يره، فكان له الخيار، وإنما كان كذلك لأن المعقود عليه وإن كان معدومًا حقيقة فقد ألحق بالموجود ليمكن القول بجواز العقد، ولأن الخيار كان ثابتًا لهما قبل الإحضار لما ذكرنا أن العقد غير لازم، فالصانع بالإحضار أسقط خيار نفسه، فبقي خيار صاحبه، على حاله؛ كالبيع الذي فيه شرط الخيار للعاقدين إذا أسقط أحدهما خيار، أنه يبقى خيار الآخر، كذا هذا. (هذا) جواب ظاهر الرواية عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رضي الله عنهم.
وروي عن أبي حنيفة – رحمه الله – أن لكل واحد منهما الخيار، وروي عن أبي يوسف أنه لا خيار لهما جميعًا.
(وجه) رواية أبي يوسف أن الصانع قد أفسد متاعه وقطع جلده وجاء بالعمل على الصفة المشروطة، فلو كان للمستصنع الامتناع من أخذه لكان فيه إضرار بالصانع، بخلاف ما إذا قطع الجلد ولم يعمل، فقال المستصنع: لا أريد، لأنا لا ندري أن العمل يقع على الصفة المشروطة أو لا، فلم يكن الامتناع منه إضرارًا بصاحبه، ثبت الخيار.
(وجه) رواية أبي حنيفة – رحمه الله – أن في تخيير كل واحد منهما دفع الضرر عنه، وأنه واجب. والصحيح جواب ظاهر الرواية، لأن في إثبات الخيار للصانع ما شرع له الاستصناع: وهو دفع حاجة المستصنع، لأنه متى ثبت الخيار للصانع فكل ما فرغ عنه يبيعه من غير المستصنع، فلا تندفع حاجة المستصنع.