للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثًا – شروط جوازه:

وجدنا أن المذاهب الثلاثة تشترط للاستصناع شروط السلم، والمالكية أجازوا استصناع أى شيء مما يعمل الناس في أسواقهم من آنيتهم أو أمتعتهم التي يستعملون في أسواقهم عند الصناع. أما الشافعية والحنابلة فلم يجيزوا من هذه الأشياء ما جمع أجناسًا مقصودة لا تتميز. وسبق بيان هذا من قبل.

والحنفية هم الذين جعلوه عقدًا مستقلًّا من العقود المسماة، ووضعوا شروطًا لجوازه عندهم.

قال الكاساني في البدائع (٥/٣) : (وأما شرائط جوازه:

(فمنها) بيان جنس المصنوع ونوعه وقدره وصفته؛ لأنه لا يصير معلومًا بدونه.

(ومنها) : أن يكون ما يجري فيه التعالم بين الناس من أواني الحديد والرصاص والنحاس والزجاج والخفاف والنعال ولجم الحديد للدواب ونصول السيوف والسكاكين والقسي والنبل والسلاح كله والطشت والقمقمة ونحو ذلك، ولا يجوز في الثياب لأن القياس يأبى جوازه، وإنما جوازه استحسانًا لتعامل الناس ولا تعامل في الثياب.

(ومنها) أن لا يكون فيه أجل، فإن ضرب للاستصناع أجلًا صار سلمًا حتى يعتبر فيه شرائط السلم وهو قبض البدل في المجلس، ولا خيار لواحد منهما إذا سلم الصانع المصنوع على الوجه الذي شرط عليه في السلم ... (وهذا) قول أبي حنيفة رحمه الله.

. وقال أبو يوسف ومحمد: هذا ليس بشرط؛ وهو استصناع على كل حال، ضرب فيه أجلًا أو لم يضرب، ولو ضرب للاستصناع فيما لا يجوز فيه الاستصناع – كالثياب ونحوها – أجلًا ينقلب سلمًا في قولهم جميعًا.

(وجه) قولهما: أن العادة جارية بضرب الأجل في الاستصناع، وإنما يقصد به تعجيل العمل لا تأخير المطالبة، فلا يخرج به كونه استصناعًا، أو يقال: قد يقصد بضرب الأجل تأخير المطالبة، وقد يقصد به تعجيل العمل، فلا يخرج العقد عن موضوعه مع الشك والاحتمال، بخلاف ما لا يحتمل الاستصناع لا يقصد بضرب الأجل فيه تعجيل العمل، فتعين أن يكون لتأخير المطالبة بالدين وذلك بالسلم – ولأبي حنيفة – رضي الله عنه أنه إذا ضرب فيه أجلًا فقد أتى بمعنى السلم، إذ هو عقد على مبيع في الذمة مؤجلًا، والعبرة في العقود لمعانيها لا لصور الألفاظ، ألا ترى أن البيع ينعقد بلفظ التمليك، وكذا الإجارة، وكذا النكاح، على أصلنا (ولهذا) صار سلمًا فيما لا يحتمل الاستصناع، كذا هذا، ولأن التأجيل يختص بالديون، لأنه وضع لتأخير المطالبة. وتأخير المطالبة إنما يكون في عقد فيه مطالبة وليس ذلك إلا السلم، إذ لا دين في الاستصناع:

(ألا ترى أن لكل واحد منهما خيار الامتناع من العمل قبل العمل بالاتفاق؟ ثم إذا صار سلمًا يراعى فيه شرائط السلم فإن وجدت صح وإلا فلا) . اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>