للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقياس ألا يجوز، وهو قول زفر والشافعي، إذا لا يمكن إجارة، لأنه استئجار على العمل في ملك الأجير وذلك لا يجوز، كما لو قال أحمل طعامك من هذا المكان إلى مكان كذا بكذا، أو أصبغ ثوبك أحمر بكذا، لا يصح، ولا بيعًا لأنه بيع معدوم، ولو كان موجودًا مملوكًا لغير العاقد لم يجز.

فإذا كان معدومًا فهو أولى بعدم الجواز، ولكنا جوزناه استحسانًا للتعامل الراجح إلى الإجماع العملي من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم بلا نكير.

والتعامل بهذه الصفة أصل مندرج في قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تجتمع أمتي على ضلالة)) ، وقد استصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمًا، واحتجم صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام، مع أن مقدار عمل الحجامة وعدد كرات وضع المحاجم ومصها غير لازم عند أحد، وثله شرب الماء من السقاء.

وسمع صلى الله عليه وسلم بوجود الحمام، وأباحه بمئزر، ولم يبين له شرطًا، وتعامل الناس بدخوله من لدن الصحابة والتابعين على هذا الوجه إلى الآن، وهو ألا يذكر عدد ما يصبه من ملء الطاسة، ونحوها، فقصرناه على ما فيه تعامل، وفي ما لا تعامل فيه رجعنا فيه إلى القياس كأن يستصنع حائكًا أو خياطًا لينسج له، أو يخيط قميصًا بغزل نفسه) . (فتح القدير: ٦/٢٤٢) .

وفي الصفحة المذكورة من المرجع السابق قال الكبرلاني في الكفاية: (الجواز ثابت بالإجماع، وإنما الاختلاف في أنه بيع أو عدة أو إجارة) .

ثم قال:

(كان على الاتفاق كذا ذكره الإمام قاضيخان رحمه الله، وفي القياس لا يجوز لأنه بيع المعدوم، وقد نهى النبي – عليه الصلاة والسلام ٠ عن بيع المعدوم.

وجه الاستحسان أن النبي – عليه السلام – استصنع خاتمًا ومنبرًا، ولأن المسلمين تعاملوه من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا من غير نكير، فنزل منزلة الإجماع، وهو كدخول الحمام بأجر، فإنه جائز استحسانًا لتعامل الناس، والقياس يأبى جوازه لأن مقدار المكث وما يصب من الماء مجهول. وكذا لو قال لسقاء: أعطني شربة ماء بفلس، أو احتجم بأجر، فإنه يجوز لتعامل الناس، وإن لم يعرف قدر ما يشرب، ولم يكن قدر ما يحتجم من ظهره معلومًا. والأصل فيه قوله عليه السلام: ((ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وقد رأوا الاستصناع حسنًا فكان حسنًا)) . اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>