للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الأول

البينة الخطية (الكتابة)

وسنتكلم فيه عن مشروعيتها وحجتها وصور توثيق الدين بها، وحكمها.

(أ) مشروعيتها:

٦ – قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا} (١) .

فقد دلت الآية الكريمة على مشروعية توثيق الدين بالكتابة المبينة له، المُعْرِبَةُ عنه، المعرفة للحكم بما يحكم عند الترافع إليه، وذلك في صك موضح للدين بجميع صفاته (٢) ، وحكمة ذلك كما قال العلامة ابن العربي " ليستذكر به عند أجله، لما يتوقع من الغفلة في المدة التي بين المعاملة وبين حلول الأجل، فالنسيان موكل بالإنسان، والشيطان ربما حمل على الإنكار، والعوارض من موت وغيره تطرأ، فيشرع الكتاب والإشهاد " (٣) .

(ب) حجيتها:

٧ – لقد اختلف الفقهاء في حجية الكتابة في توثيق الديون على قولين:

* فذهب الشافعي ومالك وأحمد في رواية عنه وجماعة من الفقهاء إلى أنه لا يعتمد على الخط المجرد إذا لم يُشْهَدْ عليه، لأن الخطوط تشتبه والتزوير فيها ممكن، وقد تكتب للتجربة أو اللهو.. ومع قيام هذه الاحتمالات والشبهات لا يبقى للخط المجرد حجة ولا يصلح للاعتماد عليه، أما إذا أشهد عليه، فيعتبر وثيقة وحجة، لأن الشهادة ترفع الشك وتزيل الاحتمال (٤) .

* وذهب جماهير الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى صحة توثيق الدين بالكتابة، وأنها بينة معتبرة في الإثبات إذا كانت صحيحة النسبة إلى كاتبها (٥) .

قال الجصاص في " شرح أدب القاضي ": " الأصل في هذا الباب أن الكتاب يقوم مقام عبارة المكتوب من جهته وخطابه " (٦) .


(١) الآية ٢٨٢ من سورة البقرة.
(٢) أحكام القرآن، لابن العربي: ١/٢٤٨.
(٣) أحكام القرآن، لابن العربي: ١/٢٤٧.
(٤) طرح التثريب: ٦/١٩١، لأبي علي؛ وصحيح مسلم: ٤/٣٣٨؛ وأدب القاضي، للماوردي: ٢/٩٨؛ وأصول السرخسي: ١/٣٥٨؛ وكشف الأسرار على أصول البزدوي: ٣/٥٢؛ والمهذب: ٢/٣٠٥؛ ورد المحتار: ٤/٣٥٢؛ وتكملة رد المحتار: ١/٥٩؛ والأشباه والنظائر، لابن نجيم: ص٢١٧؛ ومعين الحكام: ص١٢٥؛ والطرق الحكمية: ص٢٠٤ وما بعدها، مرقاة المفاتيج:٣/٣٩٧؛ والإشراف على مسائل الخلاف:٢/٢٨٠؛ وكشاف القناع ٤/٣٧٣؛ وشرح منتهى الإرادات٢/٥٣٩؛ والطريقة المرضية لجعيط ص١٨٦؛ ومجلة الأحكام الشرعية على مذهب الحنابلة للقاري م (٢٢٨٠) .
(٥) الطرق الحكمية، لابن القيم: ص٢٠٥؛ وكشاف القناع: ٤/٣٧٣؛ وشرح منتهى الإرادات ٢/٥٣٩؛ وكشف الأسرار على أصول البزدوي: ٣/٥٢، ٥٣؛ ودرر الحكام شرح مجلة الأحكام لعلي حيدر: ٤/١٣٧؛ وتبصرة الحكام، لابن فرحون ١/٣٦٣؛ ومعين الحكام: ص ١٢٥؛ وفتح العلي المالك: ٢/٣١١.
(٦) شرح أدب القاضي، للجصاص: ص ٢٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>