السؤال الذي بعده هو، هل يصلح الحق المجرد محلًّا للعقد؟ اسمحوا لي أن أتكلم في هذه النقطة، هذه المسألة تكلم عنها الفقهاء ومنهم ابن عابدين عن الاعتياض عن الحقوق وكتب تحت عنوان:(لايجوز الاعتياض عن الحقوق المجردة) قرر هذا في حاشيته ولا يجوز الصلح ولا تضمن بالإتلاف لأن الاعتياض – هذا كلام ابن عابدين – عن مجرد الحق باطل إلَّا إذا فوّت حقًّا مؤكدًا فإنه يلحق بتفويت حقيقة الملك في حق الضمان كحق المرتهن. ومثل ابن عابدين للحقوق المجردة بحق الشفعة، حق القسم للزوجة، حق الخيار في النكاح للمخيرة، حق صاحب الوظيفة في الأوقاف من إمامة وخطابه ... إلخ. وقرر اتفاق الفقهاء على عدم جواز الاعتياض عن حق الشفعة واختلافهم في جواز الاعتياض عن الوظائف لكن الذي يظهر لي أن اعتبار حق الاختيار من قبيل الحقوق المجردة التي يتحدث عنها الفقهاء غير سليم لأن الحق المجرد الذي يتحدث عنه الفقهاء هو حق ثبت لصاحبه بوجه شرعي صحيح كما هو واضح من الأمثلة حق الشفعة ثبت لهذا الشخص بوجه شرعي لكن هذا الحق الذي يسمى حق الاختيار ليس من هذا القبيل مطلقًا لأنه ليس حقًّا ثابتًا لأحد وإنما يريد أحد العاقدين أن ينشئه للآخر، ويبدو لي أن العوض في عقد الاختيار ليس مقابل حق الاختيار وإنما هو مقابل التزام أحد الطرفين للآخر ويقابل هذا الالتزام ثبوت الحق، لكن الحقيقة العوض مدفوع نظير هذا الالتزام وجاء ثبوت الحق تبعًا لهذا. لأن حقيقة اختيار الشراء – مثلًا – هو أن البائع يلتزم للمشتري ببيع شيء موصوف في وقت محدد بثمن محدد يدفعه له عند الاتفاق مقابل هذا الالتزام ويترتب على التزام البائع ثبوت حق للمشتري في الشراء، ولذلك أنا أرى أن قياسهُ حتى في الكلام عنه بالحق المجرد في المرحلة الأولى غير سليم، وهنا قد يأتي سؤال فرعي عن هذا, إذا كان هذا التكييف سليم هل يصلح مجرد الالتزام بالبيع محلًّا للعقد؟ بداهة الجواب لا يصلح، ربما يقال إن هناك وجه شبه – وهذا حقيقي – بين بيع الاختيار الذي ثبت للمشتري بمقتضى التزام البائع لأن هذا كما قيل هو نفسه يباع فبعد أن ثبت له أصبح حقًّا مجردًا. هذا الكلام قد يكون مقبولًا لو أن الاختيار الأول ثبت للمشتري بطريق مشروع لكن إذا كان الاختيار الأول نفسه لم يثبت بطريق مشروع فلا محل للكلام بأن يباع الاختيار الثاني.