لقد أعددت بحثًا حول هذا الموضوع – أيضًا – مختصرًا كما هو الشأن الذي جرى عليه فضيلة الشيخ الجليل محمد المختار السلامي وأؤيده في كثير مما قاله في أن هذه العقود ليست لها صبغة شرعية ولا يقرها فقهنا لا من قريب ولا من بعيد، فهي ليست مما تنطوي تحت عقود بيوع العربان أو العربون الذي أقره فقهاء الحنابلة دون غيرهم من المذاهب الإسلامية، والكلام حول هذا العقد – أيضًا – معروف عند الفقهاء ومع ذلك فنحن لا نجد مسوغًا لعقد هذه المقارنة، فالعقود المعروفة في الفقه الإسلامي تعتمد على وجود إرادتين واتفاق إرادتين بإيجاب وقبول والعقد قائم، وكل ما يمكن أن يثار حول هذه العقود هو تحقيق الضوابط الشرعية والمبادئ التي ينبغي أن تتحقق لتحقيق العدالة والمساواة ومنع الغرر كما قلت. فهذه العقود التي سميت بعقود الاختيارات ليست إطلاقًا من فئة عقود بيع العربون وليست – أيضًا – من فئة عقود السلم لأن عقد السلم – أيضًا – عقد وارد على بيع شيء موصوف في الذمة فهو بيع آجل بعاجل، بيع قائم والشرع – أيضًا – حينما أجاز عقد السلم وعقد الاستصناع استثناء من العقود العامة – كما يقول بعض الفقهاء – هو ثبت على خلاف القياس استحسانًا مراعاة لحاجة الناس إليه حتى لا يكون هناك تصادم بين بيع – المبدأ الممنوع شرعًا – الكالئ بالكالئ، أو بيع الدين بالدين، فاستثنى عقد السلم ومع ذلك فهو جائز شرعًا نحترمه. عقود الاختيارات ليست لها مثل هذه الصفة إطلاقًا فهي مجرد وعود بين متعاملين يريدان – كما أشار فضيلة الأستاذ السلامي – أن يربح الوسطاء بين هؤلاء المتعاملين وينتظرون تقلبات الأسواق بحذق ومهارة ويستفيد واحد منهما على حساب الآخر وليس هناك له أي صفة عقد، فالعقد أنا لا استطيع أن أسمي هذا عقدًا إطلاقًا. إنما أضيف إلى ما ذكره الشيخ السلامي أن هذه كما ذكرت في بحثي عقود الاختيارات هي مجرد مواعدة ووعود بين اثنين، وهذه الوعود حتى الوعد – أيضًا – لا يمكن أن يكتسب صفة الإلزام عند أغلب الفقهاء إلَّا ما هو معروف ومشهور عند فقهاء المالكية:" إذا دخل الإنسان في التزام ما عندئذ يصبح الوعد ملزمًا "، وأيضًا يقول الحنفية:" الوعود بصور التعاليق تكون ملزمة "، يعني أنه وعد إنسانًا وقال له: إن تزوجتها فأنا أقرضك أو أعطيك أو أبيعك أو أشتري منك، هذه التزامات – أيضًا – الحنفية أقروا المبدأ في أن الوعود تكون ملزمة إذا دخل الإنسان في التزام ما. فهم أقرب إلى مذهب المالكية أيضًا. فهذه مجرد وعود وهذه الوعود أيضًا حتى لو جرينا على مبدأ الفقه المالكي لا يمكن أن نقول أنها تتسم أو تستحق أن توصف بصفة الإلزام لأنه لا يلتزم واحد من الطرفين بشيء حتى يلتزم الطرف الآخر بمقابله. فلذلك كما ذكرت، الخلاصة في هذا الموضوع: عقود الاختيارات أو طبيعة هذا العقد لا نجده منضمًّا تحت لواء تنظيم أي عقد من العقود المسماة المعروفة وقد أحصيت هذه العقود المعروفة في الفقه الإسلامي منها: عقود التمليك، عقود المنفعة، عقود العمل، عقود الغرر، عقود التأمينات الشخصية ... إلخ. والعقود في الفقه الإسلامي واحد وعشرون عقدًا لم أجد أي تشابه أو تقارب بين هذه الاختيارات وبين هذه العقود المقررة في الفقه الإسلامي فهي إذن تصرف من نوع خاص يمكن وصفه – كما قلت – مجرد مواعدة لتبادل حقوق مجردة منقطعة الصلة بالأعيان أو بالأشياء المادية وتقتصر على تبادل الرغبات أو الإرادة والمشيئة. يعني إذن هي التعبير الدقيق إذا أردنا إضفاء التكييف الفقهي الدقيق على هذه التي تسمى (عقود الاختيارات) هي عقود باطلة.