تلك المعاملة حتى أجلاهم عمر عن خيبر. وكان قد شارطهم أن يعمروها من أموالهم، وكان البذر منهم، لا من النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ولهذا كان الصحيح من أقوال العلماء: أن البذر يجوز أن يكون من العامل كما مضت به السنة، بل قد قالت طائفة من الصحابة: لا يكون البذر إلا من العامل، لفعل النبي -صلى الله عليه وسلم-. ولأنهم أجروا البذر مجرى النفع والماء.
والصحيح: أنه يجوز أن يكون من رب الأرض، وأن يكون من العامل، وأن يكون منهما. وقد ذكر البخاري في صحيحه:(أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عامل الناس على: إن جاء عمر بالبذر من عنده: فله الشطر. وإن جاءوا بالبذر: فلهم كذا).
والذين منعوا المزارعة: منهم من احتج بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- «نهى عن المخابرة (١)» ولكن الذي نهى عنه هو الظلم؛ فإنهم كانوا يشترطون لرب الأرض زرع بقعة بعينها. ويشترطون ما على الماذيانات وإقبال الجداول، وشيئا من التبن يختص به صاحب الأرض. ويقتسمان الباقي.
وهذا الشرط باطل بالنص والإجماع، فإن المعاملة مبناها على العدل من الجانبين وهذه المعاملات من جنس المشاركات، لا من باب المعاوضات. والمشاركة العادلة: هي أن يكون لكل واحد من الشريكين جزء شائع فإذا جعل لأحدهما شيء مقدر كان ظلما.
فهذا هو الذي نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما قال الليث بن سعد: الذي نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- من ذلك: أمر إذا نظر ذو البصيرة بالحلال والحرام فيه: علم أنه لا يجوز. وأما ما فعله هو وفعله خلفاؤه الراشدون والصحابة: فهو العدل المحض الذي لا ريب في جوازه.
فصل: وقد ظن طائفة من الناس: أن هذه المشاركات من باب الإجارة بعوض مجهول. فقالوا: القياس- يقتضي تحريمها.
ثم منهم من حرم المساقاة والمزارعة، وأباح المضاربة استحسانا للحاجة. لأن الدراهم لا تؤجر كما يقول أبو حنيفة.
ومنهم من أباح المساقاة: إما مطلقا، كقول مالك والشافعي في القديم، أو على النخل والعنب خاصة، كالجديد له. لأن الشجر لا يمكن إجارته، بخلاف الأرض. وأباح ما يحتاج إليه من المزارعة تبعا للمساقاة. ثم منهم من قدر ذلك بالثلث، كقول مالك. ومنهم من اعتبر كون الأرض أغلب كقول
(١) صحيح البخاري المساقاة (٢٣٨١)، صحيح مسلم كتاب البيوع (١٥٣٦)، سنن النسائي البيوع (٤٥٢٣)، سنن أبو داود البيوع (٣٤٠٤)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٣٩٢).