وقد طلب هذا منا قبلكم من هو أكثر منكم عددا، وأعظم مكيدة، ثم رددناهم فلم يرجعوا إلا وهم بين قتيل وأسير، ولم تكن أمة من الأمم عندنا بأرق منكم شأنا، ولا أصغر أخطارا، إنما جلكم رعاء الشاء والإبل، وأهل البؤس والشقاء، وقد ظننا أنه لم يأت بكم إلا جهد نزل بكم، فأخذتم الذهب والفضة منا فهو لكم، فإن أبت أنفسكم إلا أن تحرصوا وتشرهوا، وأردتم أن نزيدكم من بيوت أموالنا ما يقوى به الضعيف منكم فعلنا، ونأمر للأمير منكم بعشرة آلاف دينار، ونأمر لك بمثلها، ونأمر لرؤساكم بألف دينار، ولجميع أصحابكم بمائة دينار، على أن توثقوا لنا بالأيمان المغلظة ألا تعودوا إلى بلادنا.
فقال خالد: الحمد لله الذي لا إله إلا هو، وأشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بعد:
فإن كل ما ذكرت من العز والتمكين في البلاد، وما ذكرت من إنعامك على جيرانك منا فقد عرفناه، وذلك لأمر تريدونه، ألا ترون أن ثلثيهم أو شطرهم دخلوا معكم في دينكم فهم يقاتلوننا معكم؟
وإني سأقص عليكم قصتنا، وأدعوك إلى حظك إن قبلت.
ألا إنا كنا أمة أنزلنا الله- له الحمد- منزلا ليست به أنهار جارية، ولا يكون به الزرع إلا القليل، نقطع أرحامنا، ونقتل أولادنا خشية الإملاق، ويأكل قوينا ضعيفنا، نعبد من دون الله أربابا ننحتها بأيدينا.
فبينما نحن كذلك على شفا حفرة من النار، إذ بعث الله فينا رسولا، دعانا إلى الله وحده، وقال لنا: لا تتخذوا من دون الله ربكم إلها ولا وليا ولا نصيرا، ولا تجعلوا معه صاحبة ولا ولدا.