والمقصود: أنه إذا منع القسامون ونحوهم من الشركة، لما فيها من التواطؤ على إغلاء الجرة، فمنع البائعين الذين تواطئوا على أن لا يبيعوا إلا بثمن قدره أولى وأحرى.
وكذلك يمنع والي الحسبة المشترين من الاشتراك في شيء لا يشتريه غيرهم. لما في ذلك من ظلم البائع.
وأيضا: فإذا كانت الطائفة التي تشتري نوعا من السلع أو تبيعها: قد تواطئوا على أن يهضموا ما يشترونه فيشترونه بدون ثمن المثل، ويبيعون ما يبيعونه بأكثر من ثمن المثل، ويقتسمون ما يشتركون فيه من الزيادة كان إقرارهم على ذلك معاونة لهم على الظلم والعدوان. وقد قال تعالى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}(١) ولا ريب أن هذا أعظم إثما وعدوانا من تلقي السلع، وبيع الحاضر للبادي، ومن النجش.
فصل: ومن ذلك أن يحتاج الناس إلى صناعة طائفة - كالفلاحة والنساجة والبناء وغير ذلك - فلولي الأمر: أن يلزمهم بذلك بأجرة مثلهم، فإنه لا تتم مصلحة الناس إلا بذلك.
ولهذا قالت طائفة من أصحاب أحمد والشافعي: إن تعلم هذه الصناعات فرض على الكفاية، لحاجة الناس إليها. وكذلك تجهيز الموتى ودفنهم، وكذلك أنواع الولايات العامة والخاصة التي لا تقوم مصلحة الأمة إلا بها. وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتولى أمر ما يليه بنفسه. ويولي فيما بعد عنه، كما ولى على مكة عتاب بن أسيد، وعلى الطائف عثمان بن أبي العاص الثقفي، وعلى قرى عرينة خالد بن سعيد بن العاص. وبعث عليا ومعاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري إلى اليمن. وكذلك كان يؤمر على السرايا، ويبعث السعاة على الأموال الزكوية، فيأخذونها ممن هي عليه، ويدفعونها إلى مستحقيها. فيرجع الساعي على المدينة وليس معه إلا سوطه، ولا يأتي بشيء من الأموال إذا وجد لها موضعا يضعها فيه.
فصل: وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستوفي الحساب على عماله، يحاسبهم على المستخرج والمصروف كما في الصحيحين عن أبي حميد الساعدي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استعمل رجلا من الأزد، يقال له: ابن اللتبية، على الصدقات فلما رجع حاسبه.
فقال: هذا لكم. وهذا أهدى إلي.
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ما بال الرجل نستعمله على العمل مما ولانا الله، فيقول: هذا لكم وهذا أهدى إلي؟، أفلا قعد في بيت أبيه وأمه، فينظر: أيهدي إليه أم لا؟