فمسألة الأنواط ليست من القياس في شيء، بل هي من باب إدخال الجزئيات تحت الكليات، ولا يمتنع مثل هذا القياس على المقلد؛ لأن إلحاق الجزئيات، بكلية نص عليها الفقهاء، مما يتمكن كثير من الناس أن يفعله.
إننا لو رجعنا إلى تعريف العروض عند الفقهاء - لما خرجت الأنواط عن كونها عرضا، فالعرض قيل فيه:(ما عدا العين والطعام - ما سوى النقد - كل ما لا زكاة في عينه، ومنهم من قال: هو كل ما عدا الحيوان والطعام والنقد).
هذا استقراء حد العرض عندهم، وكلها تعتبر الأنواط عرضا فلا صحة لقول من يمنع كونها عرضا، وهي ليست مسألة قياسية، بل جزئية تندرج في كلية العروض: كالفلوس والجلود وغيرها مما تداوله الناس من المسكوكات غير الذهب والفضة - ثم لخص مذهب المالكية في الفلوس والخلاف في كونها نقدا أو عرضا، وكراهة مالك النسيئة فيها كما تقدم - ومنعه ذلك منع كراهة لا منع تحريم، ويجوز التفاضل فيها مطلقا، ولكن المناجزة فيها أولى وأسلم من النسيئة، خروجا من الخلاف وفرارا من الكراهة.
وإذا عرفنا أن هذا الرأي مدون عام (١) ١٣٣٩ هـ ١٩١٨م؛ حيث كان العالم قد خرج من الحرب العالمية الأولى، وما تزال ذكريات الناس متعلقة بالنقد الذهبي والفضي المتداول قبل الحرب، وعرفنا نفور الناس من النقد الورقي - علمنا واقعية هذا الرأي في زمانه، ولكنه لا ينطبق على واقعنا المعاصر.
(١) الحاوي على الصاوي بحاشية الشرح الصغير ج ٤ ص٤٢ - ٨٦.