للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحين أخذ السلطان عبد الحميد يعقد تلك المقارنة، كانت تجول في خاطره نجاح دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية. لقد وصلت إلى ما وصلت إليه بفضل الأساس الذي قامت عليه وهو الدعوة إلى الإصلاح الديني. وانتشرت دعوته انتشارا هائلا لأنها تمسكت بمبادئ السلف. وهي رغم القضاء على دولتها سياسيا بقوة الجيوش ومناورات السياسة (١)؛ فإنها ظلت صامدة. ولم يقتصر أمرها على أهل الجزيرة العربية فحسب، بل امتدت إلى خارجها.

ففي المساحة الواسعة الممتدة من المحيط الهادي شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا؛ نجحت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في أن تجد لها أنصارا. وانتشرت في الملايو وأندونيسيا والهند (باكستان والهند وبنجلاديش حاليا) ووادي النيل وشرق أفريقية والشمال الأفريقي وغربي أفريقية. بل ذهب الأمر إلى أكثر من ذلك حينما قامت في تلك الآونة دول إسلامية في أفريقية على أساس " الدعوة الإصلاحية " التي نادى بها الشيخ (٢).

وحقيقة هامة يجب ألا تغيب عن أذهاننا، وهي أن العداء الذي قام في يوم من الأيام بين الدول العثمانية والدعوة الإصلاحية في مبدأ ظهورها. . قد امتد إلى سنوات عديدة بعد ذلك (٣). . وأصبح ذلك العداء التقليدي بالنسبة لهذه الدولة يتوارثه آل عثمان على امتداد تاريخهم وحتى زوال عهدهم بنهاية الحرب العظمى الأولى في عام ١٩٢٣ م.

وعلى هذا النحو. . نجد السلطان عبد الحميد بعد حوالي نيف ومائة عام من قيام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بدعوته الإصلاحية. . يأتي ليحارب الدعوة بدوره ويحاول تصفية وجودها. فإن كانت الحملات الحربية والمناورات السياسية وأساليب الدس لم تنجح في وقف تيارها. . فليستعمل لها الأسلوب الذي يناسبها - وهو القيام بدعوة دينية إصلاحية، يستقطب إليها جماهير المسلمين في أنحاء العالم.

ولعل الأثر العميق الذي تركته دعوة الشيخ في نفوس السلاطين العثمانيين، هو أنها استطاعت مع الدولة السعودية الأولى أن تقف في وجه الدولة العثمانية وجها لوجه. . وتحرر قسما هاما من الإمبراطورية العثمانية وهو شبه جزيرة العرب. ثم دعوتها الشعوب العربية كي تتحرر هي الأخرى من سيطرة الباب العالي. وكانت هذه السياسة سببا في إثارة العداء والحقد اللذين توارثهما آل عثمان تجاه الدولة السعودية.

وكان قيام السلطان العثماني بدعوته إلى قيام الجامعة الإسلامية لمنافسة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية يعني أنها كانت لا تزال تشكل خطورة كبيرة على زعامة الدولة العثمانية الروحية على العالم


(١) الدولة السعودية الأولى (١١٥٧ - ١٢٣٤ هـ).
(٢) دولة عثمان دان فوديو في غرب أفريقيا " شمال نيجيريا ".
(٣) Mahmoud: Ibid p. ١٣٧.