للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من إمارة عمر فلما رأى الناس - يعني عمر - قد تتابعوا فيها قال أجيزوهن عليهم (١)» هذا لفظ الحديث، وهو بأصح إسناد وهو لا يحتمل ما ذكرتم من التأويل بوجه ما، ولكن هذا كله عمل من جعل الأدلة تبعا للمذهب فاعتقد ثم استدل، وأما من جعل المذهب تبعا للدليل واستدل ثم اعتقد لم يمكنه هذا العمل. اهـ.

الجواب الثالث: حمل الحديث على غير المدخول بها:

فقد سلك أبو عبد الرحمن النسائي في سننه في الحديث مسلكا آخر وقوي جانبها عنده، فقال: باب الطلاق الثلاث المتفرقة قبل الدخول بالزوجة، ثم ساقه فقال: حدثنا أبو داود حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أن أبا الصهباء جاء إلى ابن عباس - رضي الله عنهما - «فقال: يا ابن عباس، ألم تعلم أن الثلاث كانت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وصدر من خلافة عمر ترد إلى الواحدة، قال: نعم (٢)».

وقد أجاب ابن القيم عن ذلك فقال (٣): وأنت إذا طابقت بين هذه الترجمة وبين لفظ الحديث وجدتها لا يدل عليها ولا يشعر بها بوجه من الوجوه بل الترجمة لون والحديث لون آخر وكأنه لما أشكل عليه لفظ الحديث جملة على ما إذا قال لغير المدخول بها: أنت طالق، أنت طلق، أنت طالق طلقت واحدة ومعلوم أن هذا الحكم لم يزل ولا يزال كذلك، ولا يتقيد ذلك بزمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وصدر من خلافة عمر - رضي الله عنه - وبمضي الثلاث بعد ذلك على المطلق فالحديث لا يندفع بمثل هذا ألبتة. اهـ.

وهناك توجيه آخر للحديث قال ابن حجر (٤): وهو جواب إسحاق بن راهوية وجماعة وبه جزم زكريا الساجي من الشافعية.

ووجهوه بأن غير المدخول بها تبين إذا قال لها زوجها: أنت طالق، فإذا قال ثلاثا لغي العدد لوقوعه بعد البينونة.

وتعقبه القرطبي بأن قوله: أنت طالق ثلاثا كلام متصل غير منفصل فكيف جعله كلمتين؟ وتعطي كل كلمة حكما؟ وقال النووي أنت طالق معناه: أنت ذات الطلاق، وهذا اللفظ يصح تفسيره بالواحدة وبالثلاث وغير ذلك. انتهى كلام ابن حجر.


(١) سنن أبو داود الطلاق (٢١٩٩).
(٢) صحيح مسلم الطلاق (١٤٧٢)، سنن النسائي الطلاق (٣٤٠٦).
(٣) إغاثة اللهفان: ٢٩٨.
(٤) فتح الباري: ٩/ ٣٦٣.