للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على ذلك، فقد ذكر ابن تيمية رحمه الله دور أصحاب النزعات في خدمة النصارى في بلاد الشام، ومساندتهم لهم (١). كما ذكر ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية شيئا عمن خدموا التتار في دخول بغداد. وتقويض الخلافة الإسلامية العباسية، والزحف على ديار الإسلام قتلا وتدميرا، وفي سقوط الأندلس وإقصاء الإسلام من تلك البلاد، كان للمتعاطفين مع الإفرنج من أصحاب النزعات أثر في فتح باب التعاون والتساهل، ثم التخاذل بعدما مكنوهم من رقاب المسلمين، كما جاء في كتب المؤرخين الغربيين، الذين نقل عنهم بول ديورانت في كتابه قصته، وكما نقل أطرافا من ذلك محمد عبد الله عنان في كتابيه نهاية الأندلس، ودولة الإسلام في الأندلس. وغير هذا كثير في سجلات التاريخ.

ولذا فإن الاستعمار في القرن الحاضر وما قبله، قد وجد في أصحاب المعتقدات الشاذة عن منهج الإسلام سندا قويا، فأرضى لديهم نزعة حب العلو، وأمدهم بقوته، فمهدوا له السبيل للبقاء، وكانوا شوكة في جنب الإسلام، يحركهم العدو في الاتجاه، الذي يريده ليحقق بهم غرضه، ويطعن بهم أبناء الإسلام، ويحارب بهم مبادئ هذا الدين وشريعته.

ومع انتهاء الاستعمار العسكري جاء الاستعمار الفكري، فكانت دراساتهم تخدم ذوي النزعات العقدية، وتسهل لهم الإثارة، لأنهم أدركوا من مضمون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سألت ربي ثلاثا، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة، فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق، فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها (٢)». وفي رواية مالك في الموطأ بدل الغرق: «أن لا يظهر عليهم عدوا من غيرهم (٣)».


(١) راجع فتاواه الأجزاء الخاصة بالتوحيد والعقيدة.
(٢) صحيح مسلم الفتن وأشراط الساعة (٢٨٩٠)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ١٨٢).
(٣) أخرجه الترمذي ومسلم عن خباب بن الأرت رضي الله عنه.