النوى وليس له من كثرة الترداد ملل لقوله أنا الغريق، فما خوفي من البلل، وقد كان هجر "العراق"، وله إلى الشرق اشتياق:
هجر العراق تطربًا وتغربًا … كيما يفوز من العلا بقرابه
والسمهرية ليس يشرف قدرها … حتى يسافر لدنها عن غابه
وما ذاك إلا لتتلقاه الملوك بأيدي القبول، وهذا غاية الفوز ونهاية الوصول، فكتب إليه الجواب بقوله:{ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ}، ما هاروت ونفثه وبحثه عما يفرق به وحثه، يلعب بالعقول من البيان، وبيانه للعيان، صعب المركب ممنع المفرد، والمركب ودون افتراع بكره، وصدق سن بكره تخيلات وعرة المسلك شامخة العرنين عن أن تسلك، بل دون مناله خرط القتاد، وتفتت أكباد، وتقطع أكتاد، إلا لمن ذلل الله له جوامح أزمته، وأودعه سجية برمته، وأوسعه ما يعجز، ومنحه ما يطنب به، ويوجز، فتعلق شأوه بمناط الأثير بمحسنات البديع من النظيم والنثير، وقد وجم عن إدراكه كثير من الفحول، وجم عن منهج الفضل، لا يحول، ولله درّ من مدّ إليه باعه، فاقتاده، ونقد سوانحه بفكرته الوقادة، واقتطف من باكورة الفصاحة نضيرها، واهتصر من البلاغة غضيرها، من إذا شبب أطرب، وإذا أعرب أغرب، وإذا تكلم أصمى، وإذا أجاب حير، وإذا استرسل على أي حال لم يتغير فهو نسيج وحده في حله وعقده، فلقد شنف سمعي وقرط وأودع ما يروق، وما فرط، فأقبلت عليه بكلي لا ببعضي، وتصديت إليه بإبرامي ونقضي، فيا لك فاضلًا، تقف الآراء عند تخيلاته، وتتحير العقول بكنه استعمالاته، وإليك ألقى بالمقاليد في طارف الكمال والتليد، وأنا أقسم بمن أودعك ما أودعك، ومنحك ما حلى به طرفك ومسمعك لأنت النابغة، بل النادرة والنكتة التي للأفهام متبادرة، فأعيذ مرأى ذاتك، وأحمى بديع صفاتك، ما هذه القلائد المنتثرة والفوائد المنتشرة، التي أتيت بها بالعجاب، وأبرزتها للعيان من دون حجاب، وأفرغتها في قالب الاختراع، وافترعت بها هضاب البلاغة أي افتراع،