وضمنتها نكات هي عن سواك بمعزل، وأنزلتها في القلوب أرفع منزل، وأفحمت، وأوجزت، وأفعمت، وأنجزت، ورتجت المغفل، وفتحت المقفل، وتحاميت التعقيد والغرابة، وتحاشيت التنافر وإغرابه وجئتنا سائلًا، وأوردت بحر الأدب سائلًا عن شيء يضع، ويرفع، ويضر، وينفع، ويجري على وفق الإرادة من سعادة إلى شقاوة، ومن شقاوة إلى سعادة، فلا شك أنه اطلع على اللوح المحفوظ، وعلم كل معنى ملفوظ، وشارك باريه بالتصوير، وأعانه على توقيع التدبير، حججه ظاهرة البرهان، تراه كل حين هو في شأن، فإذا التجئ إليه، والتفت الأنامل عليه ابتدر بالحس لما في الخاطر مبينًا، وأراك ما حصل في المخيلة يقينًا، له صوت يسمع، ولا يفهم، كأنه أبكم، ولسانه إذا جز تكلم، وأتى بالكلام المحكم، وأعرب، وأعجم يجري مع كل عدو وحميم، ويجاري كل كريم ولئيم، وإذا وشى ترك العقول حيارى، وترى الناس من أجله سكارى، وما هم بسكارى إذا قام قي مقام الافتخار، وشق من ذلك الميدان الغبار، قال وضح النهار:
لا بقومي شرفت بل شرفوا بي … وبجدّي علوت لا بجدودي
وإذا انساب في مهمّات الأمور أظهر ما تكنه النفوس، وما تخفيه الصدور، فيا طالما خاض الظلم، وظَلَم، وظُلِم، وعجيب أن تعبه في الراحة منوط، وأمره دائر بين المهمل والمنقوط، يأخذ من كل من قصده باليمين، إن كان يصدق، أو يمين له تقلب الأحوال في الإدبار والإقبال، مع أنه فارغ من الأشغال لا يقر في أطواره على حال كريم شحيح سقيم صحيح أشغل من ذات النحيين، وأفضى من حجام ساباط دعي في النسب، لا يعرف له أم ولا أب، يستأثر بنقل الأخبار إذا نأت الديار من الديار ينكس الأعلام.
وله اليد الطولى في النقض والإبرام، أغاليطه كثيرة، وسقطاته شهيرة، لم يزل في نحيب ودمعه في صبيب، حتى إذا بلغ الغرض جف، وأعرض، وقال