للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

( «وَأَنَا حَامِلُ لِوَاءَ الْحَمْدِ» ) بِالْإِضَافَةِ (يَوْمَ الْقِيَامَةِ، تَحْتَهُ آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ وَلَا فَخْرَ «وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ» ) أَيْ: مَقْبُولُ الشَّفَاعَةِ (يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، «وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُحَرِّكُ حَلَقَ الْجَنَّةِ» ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَيُكْسَرُ جَمْعُ حَلْقَةٍ وَهِيَ هُنَا حَلْقَةُ بَابِ الْجَنَّةِ، فِي الْقَامُوسِ حَلْقَةُ الْبَابِ وَالْقَوْمِ، وَقَدْ يُفْتَحُ لَامُهَا وَيُكْسَرُ، إِذْ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ حَلَقَةٌ مُحَرَّكَةً إِلَّا جَمْعَ حَالِقٍ أَوْ لُغَةً ضَعِيفَةً، وَالْجَمْعُ حِلَقٌ مُحَرَّكَةٌ وَكَبِدَرٍ (فَيَفْتَحُ اللَّهُ لِي) أَيْ: بَابَهَا (فَيُدْخِلُنِيهَا وَمَعِي فُقَرَاءُ الْمُؤْمِنِينَ) أَيْ: مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى مَرَاتِبِهِمْ فِي السَّبْقِ كَمَا سَبَقَ: أَنَّهُ يَدْخُلُ فُقَرَاءُ أُمَّتِي قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ بِخَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَهُنَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ الْفَقِيرَ الصَّابِرَ أَفْضَلُ مِنَ الْغَنِيِّ الشَّاكِرِ.

قَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِهِمْ وَكَرَامَتِهِمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُمُ اسْتَحَقُّوا مَحَبَّةَ اللَّهِ تَعَالَى بِمُتَابَعَةِ حَبِيبِهِ، وَاتِّصَافِهِمْ بِصِفَتِهِ، وَلَيْسَ الْفَقْرُ عِنْدَ الصُّوفِيَّةِ الْفَاقَةَ وَالْحَاجَةَ، بَلِ الْفَقْرُ عِنْدَهُمُ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ تَعَالَى لَا إِلَى غَيْرِهِ، وَالِاسْتِغْنَاءُ بِهِ لَا عَنْهُ بِغَيْرِهِ. قَالَ الثَّوْرِيُّ: نَعْتُ الْفَقِيرِ السُّكُونُ عِنْدَ الْعِلْمِ وَالْبَذْلُ عِنْدَ الْوُجُودِ، وَقِيلَ لِسَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَلَيْسَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعَاذَ مِنَ الْفَقْرِ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا اسْتَعَاذَ مِنْ فَقْرِ النَّفْسِ الَّذِي مَدَحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغِنَى فِي ضِدِّهِ فَقَالَ: «الْغَنِيُّ غَنِيُّ النَّفْسِ» فَكَذَلِكَ الْفَقْرُ الْمَذْمُومُ فَقْرُ النَّفْسِ، وَهُوَ الَّذِي اسْتَعَاذَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقُولُ الْمَذْمُومُ مِنَ الْفَقْرِ وَالْغِنَى هُوَ الَّذِي يَشْغَلُ السَّالِكَ عَنِ الْمَوْلَى، غَايَتُهُ أَنَّ حَالَةَ الْفَقْرِ أَسْلَمُ مِنَ الْعَوَائِقِ ; وَلِذَا اخْتَارَهُ سُبْحَانَهُ لِأَكْثَرِ أَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ مِنْ بَيْنِ الْخَلَائِقِ حَتَّى قَالَ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ: إِنِ الْكَافِرَ الْفَقِيرَ عَذَابُهُ أَخَفُّ مِنَ الْكَافِرِ الْغَنِيِّ، فَإِذَا كَانَ الْفَقْرُ يَنْفَعُ الْكَافِرَ فِي النَّارِ، فَكَيْفَ لَا يَنْفَعُ الْمُؤْمِنَ فِي دَارِ الْقَرَارِ؟ وَلِذَا قَالَ: ( «أَجْوَعُكُمْ فِي الدُّنْيَا أَشْبَعُكُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا فَخْرَ وَأَنَا أَكْرَمُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ عَلَى اللَّهِ وَلَا فَخْرَ» ) وَهَذَا فَذْلَكَةُ الْكُلِّ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالدَّارِمِيُّ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>