٥٧٦٢ - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «جَلَسَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَرَجَ، حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْهُمْ سَمِعَهُمْ يَتَذَاكَرُونَ، قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَقَالَ آخَرُ: مُوسَى كَلَّمَهُ اللَّهُ تَكْلِيمًا، وَقَالَ آخَرُ: فَعِيسَى كَلِمَةُ اللَّهِ وَرُوحُهُ، قَالَ آخَرُ: آدَمُ اصْطَفَاهُ اللَّهُ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ وَقَالَ: (قَدْ سَمِعْتُ كَلَامَكُمْ وَعَجَبَكُمْ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلُ اللَّهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمُوسَى نَبِيُّ اللَّهِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَعِيسَى رُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَآدَمُ اصْطَفَاهُ اللَّهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، أَلَا وَأَنَا حَبِيبُ اللَّهِ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا حَامِلُ لِوَاءِ الْحَمْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، تَحْتَهُ آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُحَرِّكُ حَلَقَ الْجَنَّةِ فَيَفْتَحُ اللَّهُ لِي فَيُدْخِلُنِيهَا وَمَعِي فُقَرَاءُ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَكْرَمُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ عَلَى اللَّهِ وَلَا فَخْرَ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالدَّارِمِيُّ.
ــ
٥٧٦٢ - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَلَسَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَرَجَ حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْهُمْ سَمِعَهُمْ) : حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي دَنَا، وَقَدْ مُقَدَّرَةٌ، وَقَوْلُهُ: (يَتَذَاكَرُونَ) ، حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ فِي سَمِعَهُمْ، كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: سَمِعَهُمْ جَوَابُ إِذَا، وَقَوْلُهُ: (قَالَ بَعْضُهُمْ) إِمَّا اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ لِلتَّذَاكُرِ، أَوْ حَالٌ بِتَقْدِيرِ قَدْ أَوْ بِدُونِهِ (إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَقَالَ آخَرُ: مُوسَى كَلَّمَهُ اللَّهُ تَكْلِيمًا، وَقَالَ آخَرُ فَعِيسَى) أَيْ: إِذَا كَانَ الْكَلَامُ فِي التَّفَاضُلِ فَعِيسَى (كَلِمَةُ اللَّهِ وَرُوحُهُ) أَيْ شُرِّفَ بِإِضَافَتِهِمَا إِلَيْهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَعِيسَى جَوَابُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: إِذَا ذَكَرْتُمُ الْخَلِيلَ فَاذْكُرُوا عِيسَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ} [الأنفال: ١٧] أَيْ إِذَا افْتَخَرْتُمْ بِقَتْلِهِمْ فَإِنَّكُمْ لَمْ تَقْتُلُوهُمْ (وَقَالَ آخَرُ: آدَمُ اصْطَفَاهُ اللَّهُ) ، أَيْ بِتَعْلِيمِ الْأَسْمَاءِ وَبِإِسْجَادِ مَلَائِكَةِ السَّمَاءِ (فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : كَرَّرَهُ لِيُنِيطَ بِهِ غَيْرَ مَا أَنَاطَ بِهِ أَوَّلًا، أَوْ يَكُونَ خَرَجَ أَوَّلًا مِنْ مَكَانٍ وَثَانِيًا مِنْهُ إِلَى آخَرَ (وَقَالَ: قَدْ سَمِعْتُ كَلَامَكُمْ وَعَجَبَكُمْ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ: وَفَهِمْتُ تَعَجُّبَكُمْ فَهُوَ مِنْ بَابِ: قُلِّدْتُ سَيْفًا وَرُمْحًا (أَنَّ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلُ اللَّهِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِمَّا قَبْلَهُ أَوْ مَفْعُولٌ لَهُ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْكَسْرِ اسْتِئْنَافًا (وَهُوَ كَذَلِكَ) ، أَيْ كَوْنُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ اللَّهِ حَقٌّ وَصِدْقٌ (وَمُوسَى نَجِيُّ اللَّهِ) : فَعِيلٌ مِنَ النَّجْوَى بِمَعْنَى الْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ أَيْ: كَلِيمُ اللَّهِ (وَهُوَ كَذَلِكَ، وَعِيسَى رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَآدَمُ اصْطَفَاهُ اللَّهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، أَلَا: لِلتَّنْبِيهِ جِيءَ بِهِ لِلتَّأْكِيدِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ: (وَأَنَا حَبِيبُ اللَّهِ) أَيْ: مُحِبُّهُ وَمَحْبُوبُهُ (وَلَا فَخْرَ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: قَرَّرَ أَوَّلًا مَا ذَكَرَ مِنْ فَضَائِلِهِمْ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ كَذَلِكَ، ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُهُمْ وَأَكْمَلُهُمْ، وَجَامِعٌ لِمَا كَانَ مُتَفَرِّقًا فِيهِمْ، فَالْحَبِيبُ خَلِيلٌ وَمُكَلَّمٌ وَمُشَرَّفٌ اه.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْخَلِيلِ وَالْحَبِيبِ أَنَّ الْخَلِيلَ مِنَ الْخِلَّةِ أَيِ الْحَاجَةِ، فَإِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ افْتِقَارُهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ اتَّخَذَهُ خَلِيلًا، وَالْحَبِيبُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ فَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحِبٌّ وَمَحْبُوبٌ، وَالْخَلِيلُ مُحِبٌّ لِحَاجَتِهِ إِلَى مَنْ يُحِبُّهُ، وَالْحَبِيبُ مُحِبٌّ لَا لِغَرَضٍ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْخَلِيلَ فِي مَنْزِلَةِ الْمُرِيدِ السَّالِكِ الطَّالِبِ، وَالْحَبِيبُ فِي مَنْزِلَةِ الْمُرَادِ الْمَجْذُوبِ الْمَطْلُوبِ {اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} [الشورى: ١٣] وَلِذَا قِيلَ: الْخَلِيلُ يَكُونُ فِعْلُهُ بِرِضَا اللَّهِ تَعَالَى، وَالْحَبِيبُ يَكُونُ فِعْلُ اللَّهِ بِرِضَاهُ. قَالَ تَعَالَى: {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة: ١٤٤] ، {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى: ٥] وَقِيلَ: الْخَلِيلُ مَغْفِرَتُهُ فِي حَدِّ الطَّمَعِ، كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي} [الشعراء: ٨٢] وَالْحَبِيبُ مَغْفِرَتُهُ فِي مَرْتَبَةِ الْيَقِينِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: ٢] وَالْخَلِيلُ قَالَ: {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ} [الشعراء: ٨٧] وَالْحَبِيبُ قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّهِ: {لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} [التحريم: ٨] وَالْخَلِيلُ قَالَ: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} [الشعراء: ٨٤] وَقَالَ لِلْحَبِيبِ: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: ٤] وَالْخَلِيلُ قَالَ: {وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ} [الشعراء: ٨٥] وَالْحَبِيبُ قَالَ لَهُ: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: ١] وَالْأَظْهَرُ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّ مَرْتَبَةَ مَحْبُوبِيَّتِهِ فِي دَرَجَةِ الْكَمَالِ قَوْلُ ذِي الْجَلَالِ وَالْجَمَالِ: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: ٣١] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute