للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٦٢٠ - وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ، وَلَا يَتْفُلُونَ، وَلَا يَبُولُونَ، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ، وَلَا يَتَمَخَّطُونَ " قَالُوا: فَمَا بَالُ الطَّعَامِ؟ قَالَ: " جُشَاءٌ وَرَشْحٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ، يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ كَمَا تُلْهَمُونَ النَّفَسَ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

٥٦٢٠ - (وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ» ) أَيْ فِيهَا (وَلَا يَتْفُلُونَ) أَيْ لَا يَبْصُقُونَ ( «وَلَا يَبُولُونَ، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ، وَلَا يَتَمَخَّطُونَ» ) مِنْ بَابِ الِافْتِعَالِ، وَفِيمَا سَبَقَ مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ (قَالُوا) أَيْ بَعْضُ الصَّحَابَةِ (فَمَا بَالُ الطَّعَامِ) ؟ أَيْ مَا شَأْنُ فَضْلَتِهِ قَالَ: (جُشَاءٌ) : بِضَمِّ الْجِيمِ وَهُوَ تَنَفُّسُ الْمَعِدَةِ مِنَ الِامْتِلَاءِ وَقَالَ شَارِحٌ: أَيْ صَوْتٌ مَعَ رِيحٍ يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ عِنْدَ الشِّبَعِ، أَقُولُ: التَّقْدِيرُ هُوَ جُشَاءٌ (وَرَشْحٌ) أَيْ عَرَقٌ (كَرَشْحِ الْمِسْكِ) ، أَيْ يَصِيرُ فَضْلُ الطَّعَامِ جُشَاءً أَيْ نَظِيرَهُ، وَإِلَّا فَجُشَاءُ الْجَنَّةِ لَا يَكُونُ مَكْرُوهًا بِخِلَافِ جُشَاءِ الدُّنْيَا؛ وَلِهَذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَقْصِرْ عَنَّا جُشَاءَكَ) وَيَصِيرُ رَشْحًا، وَهُوَ إِمَّا بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ، أَوِ الْأَوْقَاتِ، أَوْ بَعْضُ الطَّعَامِ يَكُونُ جُشَاءً وَبَعْضُهُ يَكُونُ رَشْحًا، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْأَكْلَ يَنْقَلِبُ جُشَاءً، وَالشُّرْبَ يَعُودُ رَشْحًا، وَالطَّعَامُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا نَظَرًا إِلَى مَعْنَى الطُّعْمِ، فَفِي الْقَامُوسِ: طَعْمُ الشَّيْءِ: حَلَاوَتُهُ وَمَرَارَتُهُ، وَمَا بَيْنَهُمَا يَكُونُ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، أَقُولُ: وَبِهِ يَتِمُّ التَّنْزِيهُ فِي قَوْلِهِ: " {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ} [الأنعام: ١٤] "، هَذَا وَفِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ: «وَلَكِنَّ طَعَامَهُ ذَلِكَ جُشَاءٌ وَرَشْحٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ» ، وَأَمَّا قَوْلُ الطِّيبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْ: يَنْدَفِعُ الطَّعَامُ بِالْجُشَاءِ وَالرَّشْحِ، فَهُوَ حَاصِلُ الْمَعْنَى لِأَجْلِ الْمَبْنَى، كَمَا لَا يَخْفَى، ثُمَّ بَيَّنَ بَعْضَ أَحْوَالٍ أُخَرَ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِئْنَافِ وَالْبَيَانِ حَيْثُ قَالَ: (يُلْهَمُونَ) أَيْ: أَهْلُ الْجَنَّةِ (التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ) أَيْ: وَنَحْوَهُمَا مِنَ الْأَذْكَارِ (كَمَا تُلْهَمُونَ) أَيْ: أَنْتُمْ فِي هَذِهِ الدَّارِ (النَّفَسَ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيِ التَّنَفُّسَ، وَالْمَعْنَى لَا يَتْعَبُونَ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ كَمَا لَا تَتْعَبُونَ أَنْتُمْ. وَفِي الْجَامِعِ بِصِيغَةِ الْغَيْبَةِ أَيْ: «كَمَا يُلْهَمُونَ مِنَ النَّفَسِ، وَلَا يَشْغَلُهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا لَا يَمْنَعُهُمْ مِنَ النَّفَسِ، كَالْمَلَائِكَةِ» ، أَوْ يُرِيدُ أَنَّهَا تَصِيرُ صِفَةً لَازِمَةً لَا يَنْفَكُّونَ عَنْهَا كَالنَّفَسِ اللَّازِمِ لِلْحَيَوَانِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُمْ نَفَسٌ إِلَّا مَقْرُونًا بِذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ سُبْحَانَهُ؛ وَلِذَا قَالَ الْعَارِفُونَ: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: ٤٦] جَنَّةٌ عَاجِلَةٌ فِي الدُّنْيَا وَجَنَّةٌ آجِلَةٌ فِي الْعُقْبَى، فَالْأُولَى وَسِيلَةٌ لِلْأُخْرَى، وَالْأُخْرَى نَتِيجَةٌ لِلْأُولَى، وَقَدْ أُشِيرَ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار: ١٣] فَإِنَّهُ لَا نَعِيمَ أَعْلَى مِنْ دَوَامِ ذِكْرِ الْكَرِيمِ: {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: ١٤] فَإِنَّ الْحِجَابَ أَشَدُّ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْإِلْهَامُ إِلْقَاءُ الشَّيْءِ فِي الرَّوْعِ، وَيَخْتَصُّ ذَلِكَ بِمَا كَانَ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ وَجِهَةِ الْمَلَأِ الْأَعْلَى، فَقَوْلُهُ: تُلْهَمُونَ وَارِدٌ عَلَى سَبِيلِ الْمُشَاكَلَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّنَفُّسُ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) . وَكَذَا أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>