للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا يَتطَوَّعُ بهِ مَديِنٌ لا وفاءَ له، إلَّا بإذنِ غَريمِهِ، ولا مَنْ أحدُ أبوَيهِ حُرٌّ مُسلِمٌ إلَّا بإذنِهِ.

"العمرةُ إلى العمرةِ كفَّارةٌ لما بينهما". قالَ ابنُ هبيرةَ: فيه إشارة إلى أنَّ كبارَ (١) الطاعاتِ يُكفِّرُ اللهُ ما بينهما؛ لأنَّه لمْ يقلْ: كفَّارةٌ لصغارِ ذنويه، بلْ إطلاقُه يتناولُ الصَّغائرَ والكبائرَ (٢).

وعلى تقديرِ أنَّ ما تقذمَ يُكفِّرُ الذنوبَ الصغائرَ والكبائرَ، فالمرادُ: غيرُ الدَّيْنِ ومظالمَ العبادِ.

(ولا يتطوَّعُ به) أي: بالجهادِ (مَدِينٌ لا وفاءَ له) حالًّا كانَ الدَّيْنُ أو مؤجَّلًا؛ لأنَّ الجهادَ يُقصدُ منه الشهادةُ، فتفوتُ به النفسُ، فيفوتُ الحقُّ. فإنْ كانَ الدَّيْنُ للهِ أو لآدميٍّ، وله وفاءٌ، جازَ له التطوُّعُ به

(إلا بإذنِ غريمِه) أي: ربِّ الدَّيْنِ، فيجوزُ؛ لرضاه. أو معَ رهنٍ يُحرِزُ الدَّيْنَ، يُمكنُ وفاؤُه منه، أو كفيلٍ مَليءٍ بالدَّيْنِ، فيجوزُ إذًا؛ لأنَّه لا ضررَ على ربِّ الدينِ.

فإنْ تعيَّنَ عليه الجهادُ، فلا إذنَ لغريمِه؛ لتعلُّقِ الجهادِ بعينِه، فيقدَّمُ على ما في ذمَّتِهِ، كسائرِ فروضِ الأعمِانِ

(ولا مَنْ أحدُ أبوَيْه حُرٌّ مسلمٌ إلا بإذنِه) لحديثِ ابنِ عمروٍ: جاءَ رجلٌ إلى رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسولَ اللهِ، أجاهدُ؟ قال: "لك أبوانِ؟ " قال: نعمْ. قال: "ففيهما فجاهدْ" (٣). وعن ابنِ عباسٍ نحوُه (٤)، قال الترمذيُّ: حسنٌ صحيحٌ.


(١) في الأصل: "كبائر".
(٢) "الفروع" (١٠/ ٢٣٣، ٢٣٤).
(٣) أخرجه البخاري (٣٠٠٤)، ومسلم (٢٥٤٩).
(٤) لم أقف عليه عن ابن عباس. وأشار إليه الترمذي بعد الحديث (١٦٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>