تنبيهٌ: وقد اختلف العلماء في الحجر على الكبير، فقال مالك وجمهور الفقهاء: يحجر عليه. وخالف أبو حنيفة، فقال: لا يحجر على من بلغ عاقلًا إلا أن يكون مفسدًا لماله فإذا كان كذلك منع من التصرف في ماله حتى يبلغ خمسًا وعشرين، فإن بلغها سلم إليه المال سواء كان مفسدًا أو غير مفسد.
ولنا ما رواه الدارقطني بسنده إلى هشام بن عروة عن أبيه، أن عبد الله بن جعفر أتى الزبير ابن العوام حقال: إني اشتريت بيع كذا وكذا، وإن عليا يريد أن يأتي أمير المؤمنين فيسأله أن يحجر عليَّ فيه. فقال الزبير: أنا شريكك في البيع. فأتى عليٌّ عثمان رضي اللُه عنهما فقال: إن ابن جعفر اشترى بيع كذا وكذا فاحجر عليه. فقال الزبير: أنا شريكه في البيع. فقال عثمان: كيف أحجر على رجل في بيع شريكه فيه الزبير؟. ا. هـ.
وهو في مصنف عبر الرزاق، وفي البيهقي. فقول عثمان: كيف أحجر على رجل ألخ. دليل على جواز الحجر على الكبير. ا. هـ. وقال ابن المنذر: أكثر علماء الأمصار من أهل الحجاز، والعراق، والشام، ومصر، يرون الحجر على كل مضيع لماله، صغيرًا كان أو كبيرًا. وهذا قول القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وبه قال مالك، والشامي، وأبو يوسف، ومحمد. وروى الجوزجاني في كتابه، قال: كان محمد بن القاسم يلي أمر شيخ من قريش ذي أهاى ومال، فلا يجوز له أمر في ماله دونه لضعف عقله. قال ابن اسحاق: رأيته شيخًا يخضب وقد جاء إلى القاسم ابن محمد، فقال: يا أبا محمد، ادفع إليَّ مالي، فإنه لا يولىَّ على مثلي. فقال: إنك فاسد. فقال: امرأته طالق ألبتة، وكل مملوك له حر، إن لم تدفع إليَّ مالي. فقال له القاسم بن محمد: ما يحل لنا أن ندفع إليك مالك على حالك هذه فبعث إلى امرأته، وقال: هى حرة مسلمة، وما كنت لأحبسها عليك وقد فهت بطلاقها، فأرسل إليها فأخبرها بذلك. وقال: أما رقيقك فلا عتق لك ولا كرامة. فحبس رقيقه. ا. هـ. من مغنى ابن قدامة.
تنبيهٌ: وإن فك الحجر عن المحجور لرشده ودفع إليه ماله ثم عاد إليه السفه، أعيد عليه الحجر. وبهذا قال القاسم بن محمد، ومالك، والشافعي، والأوزاعىِ، واسحاق وأبو عبيد، وأبو يوسف، ومحمد، خلافًا لأي حنيفة، وابن سيرين، والنخعي. ا. هـ. من مغني ابن قدامة.