هذا مشهد من مشاهد يوم القيامة أيضاً يصور لنا ما هو أعجب من ذلك!! يصور لنا هذا الإنسان وقد وقف على حافة جهنم، تشهد عليه أعضاؤه بكل أفعاله، حينئذ كيف يستطيع أن يتخلص من شهادة هذه الأعضاء، ويتعجب كيف تشهد هذه الأعضاء! ثم بعد ذلك يزيل الله تعالى هذا العجب بأنه ليس عجيباً أن تشهد الأعضاء؛ لأنك في الدنيا ما كنت تختفي عنها، بل كانت هي التي تمارس المعصية، وتزاول الإثم.
يقول الله عز وجل عن هذا الموقف الرهيب من مواقف يوم القيامة:{وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا}[فصلت:١٩ - ٢٠]، يعني: حتى إذا جاءوا جهنم ووقفوا على حافتها، {شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ}[فصلت:٢٠ - ٢١]، من باب التعجب:{لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا}[فصلت:٢١]، أي: وأنتم ستلاقون العذاب، {قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[فصلت:٢١]، ثم يرد الله تعالى عليهم فيقول:{وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ}[فصلت:٢٢]، في الدنيا إذا أردتم فعل المعصية وممارسة الإثم ما كنتم تستترون وتختفون عن عين الله عز وجل، بل الله عز وجل كان يراقبكم، وما كنتم تستترون أيضاً عن أعضائكم؛ إذ هي التي كانت تمارس المعصية، {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ}[فصلت:٢٢ - ٢٤].
هذا موقف يجدر بك أن تتصوره وأنت تمارس المعصية من معاصي الله عز وجل، أو وأنت تتخلف عن واجب من واجبات الله عز وجل التي افترضها الله عليك، وتصور أقرب حاسة وأدناها وأبسطها عندك أنها تشهد عليك، وحينئذٍ لا تستطيع أن تتخلص من شهادتها يوم القيامة ولا أن تمنعها؛ لأن الله تعالى يعلم هذه الأشياء قبل أن تعملها الجوارح.