إننا -أيها المسلمون- قبل أن نخوض في غمرات هذه المعرة، وقبل أن نُدلل عليها ونكشف عوارها؛ يجدر بنا أن نذكر على اقتضاب إلى أهمية استغناء الفرد بنفسه، وتوكله على الله، وعدم سؤال الآخرين من خدم وغيرهم، وتلك لعمر الله مزية قلَّ أن توجد في أوساطها، فإلى الله المشتكى!
يقول أحد الصحابة فيما رواه مسلم في صحيحه:[[بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: على ألا نسأل الله شيئاً حتى إن أحدنا ليسقط سوطه على الأرض لا يقل لأحد: ناولني]] .
ومنها فإن الاستغناء عن الخدم والإكثار منهم غنيمة بارزة، ولو لم يكن فيها إلا السلامة من عواقبهم والوقوع من سلبياتهم التي يقل الفتاق لكفى.
ورحم الله الإمام أحمد حين قال:" السلامة لا يعدلها شيء ".
وعلى مثل قول الإمام أحمد نُرِشَد كل مسلم على ألا يلجأ إليهم إلا في حالات الحاجات الملحة مع عدم استغفال السلامة وأنها مطلب، ونقول -أيضاً- لكل مسلم شاخصة أحداقه، مشرئب إلى اتخاذ الخدم ولكن بينه وبين حصول ذلك مسكنةٌ وفقر تجعله أقرب في أن يَخدم مِنْ أن يُخدم، نقول له ولأمثاله: اسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم بعد هُنيهة؛ لتكون رضي البال شاكراً ولي نعمته.
اشتكى علي وفاطمة -رضي الله عنهما- إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما تواجهه من الطحن والعمل المجهد فسألته خادماً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم؟ إذا أويتما إلى فراشكما فسبحا الله ثلاثاً وثلاثين، واحمداه ثلاثاً وثلاثين، وكبراه أربعاً وثلاثين؛ فتلك مائة على اللسان وألف في الميزان} فقال علي رضي الله عنه: [[ما تركتها بعد ما سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له رجل: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين]] رواه أحمد.
وليلة صفين هي ليلة حرب ضروس دارت بينه وبين خصومه رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
هذه -يرعاكم الله- صورة حية من صور الاستغناء عن الغير.