(فعلى المسلم) الاعتصام بالكتاب والسنة وأن يجتهد أن يعرف ما أخبر به الرسول وأمر به علماً يقيناً وحينئذ فلا يدع المحكم المعلوم للمشتبه المجهول، فإن مثال ذلك من كان سائراً إلى مكة في طريق معروفة لاشك أنما توصله إلى مكة إذا سلكها فعدل عنها إلى طريق مجهولة لا يعرفها ولا يعرف منتهاها، وهذا مثال من عدل عن الكتاب والسنة إلى كلام من لا يدري هل يوافق الكتاب والسنة أو يخالف ذلك. (وأما) من عارض الكتاب والسنة بما يخالف ذلك فهو بمنزلة من كان يسير على الطريق المعروفة إلى مكة فذهب إلى طريق قبرص يطلب الوصول منها إلى مكة فإن هذه حال من ترك المعلوم من الكتاب والسنة إلى ما يخالف ذلك من كلام زيد وعمرو. لهذا قال تعالى:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْب} فأخبر أنه أرسل الرسل وأنزل الكتاب والميزان لأجل قيام الناس بالقسط وذكر أنه أنزل الحديد الذي به ينصر هذا الحق، فالكتاب يهدي والسيف ينصر كفى بربك هادياً ونصيراً، ولهذا كان قوام الناس بأهل الكتاب الذي هو القرآن وأهل الحديد كما قال من قال من السلف صنفان إذا صلحوا صلح الناس العلماء والأمراء، وقالوا في قوله تعالى:{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} أقوال العلماء والأمراء ولهذا نص الإمام أحمد وغيره على دخول الصنفين في هذه الآية إذ كل منهما تجب طاعته فيما يقوم به من طاعة الله وكان نواب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته كعلي ومعاذ وأبي موسى وعتاب بن أسيد وعثمان بن أبي العاص وأمثالهم يجمعون الصنفين وكذلك خلفاؤه من بعده كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ونوابهم، ولهذا كانت السنة أن الذي يصلي بالناس صاحب القرآن، والذي يقوم بالجهاد صاحب الحديد، إلى أن تفرق الأمر بعد ذلك فإذا تفرق صار كل من قام بأمر الحرب من جهاد الكفار وعقوبات الفجار يجب أن يطاع فيما أمر به من طاعة الله في ذلك، وكذلك من قام يجمع الأموال وقسمها يجب أن يطاع فيما أمر به من طاعة الله