الدم، كما أن ميتته طاهرة، ولهذا كان دمه كذلك طاهراً على نحو ما علل من ذهب إلى هذا من الشافعية.
وقد أجمعت الأمة على إباحة تناول السمك مع دمه، ولو كان نجساً لما أبيح، ولأنه ليس بدم حقيقة بل هو ماء تلون بلون الدم وذلك لعدم إمكان تعايش الدم في الماء. والله تعالى أعلم.
ثالثاً: الدم المختلط باللحم والعظم: يرى عامة أهل العلم استثناء الدم العالق باللحم والعروق من الشاة أو نحوها، من مأكول اللحم المذكى من حرمة التناول وإجراء التصرفات عليه من بيع ونحوه، تبعاً لذات اللحم والعروق والعظام، من ذلك المأكول عند ذبحه بالطريق الشرعي، وهذا ما عليه الفتوى رفعاً للحرج والضيق عن العباد، وإن كان الخلاف قائما بينهم بشأن طهارته، ومدى التفرقة بينه وبين الدم المسفوح، فمن قائل بأنه طاهر، ومن قائل بأنه نجس وأن هذه النجاسة معفو عنها، ومن قائل بأنه غير مسفوح، أي الخلاف حاصل بين الفقهاء بشأن علة إباحة الدم الباقي في العروق، فمنهم من قال لأنه طاهر، ومنهم من قال للعفو عنه، فكأنه نجس معفو عنه، وذلك على نحو ما ذكر بعض الشافعية.
مذهب الحنفية: اتفق فقهاء الحنفية على أن المحرم من الدم هو الدم المسفوح دون الدم الذي يبقى في العروق واللحم بعد الذبح، حيث إنه طاهر لأنه غير مسفوح، ولأبي يوسف معفو عنه في الأكل غير معفو عنه في الثياب لتعذر الاحتراز عنه في الأكل وإمكانه في الثوب.
فقد جاء في أحكام القرآن:" ... أما اللحم الذي يخالطه الدم فلا بأس به" وروى القاسم بن محمد١ عن عائشة – أنها سئلت عن الدم يكون في اللحم المذبوح، قالت: إنما نهى الله عن الدم المسفوح" ثم استطرد قائلاً: ولا خلاف بين الفقهاء في جواز أكل اللحم مع بقاء أجزاء من الدم في العروق، ولأنه غير مسفوح، ألا ترى أنه متى صبّ عليه
١ هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أبو محمد وقيل أبو عبد الرحمن، من خيار التابعين، كان ثقة رفيعاً عالماً فقيهاً ورعاً أحد فقهاء المدينة السبعة، توفي رحمه الله تعالى سنة ١٠١ ? وقيل غير ذلك. راجع: الأعلام للزركلي ٢/٤٠، وشجرة النور الزكية لمحمد مخلوف صفحة ١٩.