للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكذلك كانت عهود الأخلاق في مبدأ أمرها غير مرعية إلا بين أبناء القبيلة. قال دارون في كتاب أصل الإنسان ولكنها - أي أصول الأخلاق_لم تكن معتبرة إلا فيما بين أبناء كل قبيلة على حدتها وما كانوا يعدون مخالفتها في حق أبناء القبائل الغريبة جريمة مستنكرة فما زالت هذه الأصول تنداح من نطاق إلى نطاق أوسع منه حتى شملت بناء الجنس الواحد ثم شملت أبناء كل دين على تباين أجناسهم ثم أصبح الناس يسلمون بها نظرياً في حق نوع الإنسان بأسره ولكنهم يخلقونها عملاً. وهم سائرون في طريق الوحدة. والطبيعة تقوم بعملها لهذه الغاية فتقرض الشعوب الذابلة ولا تذر منها إلا ما هو أهل للرعاية والبقاء. تمهيداً لوحدة الإنسانية وشمول أحكام الضمير العام.

هذه هي العقيدة الجديدة فإذا ما سكن الناس إليها واشتاعوا عليها كانت مناطاً لا مالهم وتأسية لآلامهم. وكان لهم فيها نعيم وعزاء وفي الحيدة عنها عذاب وشقاء.

لا يفوتنا بعد أن نقدنا ما خلنا فيه شيئاً من الغلو أن نقول أن في كتاب سر تطور الأمم من الآراء الصائبة والأفكار القويمة ما هو حقيق بإنعام النظر وطول التدبر. وأن المؤلف لو أخلاه من الأحكام والنتائج وقصره على الملاحظات والآراء لما كان فيه مأخذ ينتقد. فأن العلم والفن والأدب لم تجمع حتى الساعة الأدلة والمقدمات التي تكفي لأصدر تلك الأحكام المبرمة والنتائج المحتمة.

ومن تلك الملاحظات والآراء ما يهمنا نحن المصريين لأنه ينطبق على حالتنا تمام الانطباق.

فيظهر أننا لا نفهم بعد معنى الوطن حق الفهم. قال الدكتور كان وجود الروح أولاً في العائلة ثم انتشر منها في القرية ثم في المدينة ثم في الإقليم ولم يعم جميع السكان إلا في أزمان قريبة منا. هنالك وجدت فكرة الوطن بالمعنى المفهوم لنا في هذا العصر لأنها لا تصير واضحة إلا إذا تم تكوين الروح ولهذا لم تترق فكرة الوطن عند الإغريق إلى أبعد من فكرة المدينة ودامت مدائنهم في حرب مستمرة لأن كل واحدة منها كانت أجنبية في الواقع عن البقية. كذلك لم تعرف الهند منذ ألفي عام غير وحدة القرية فعاشت من ذلك الحين تحت حكم الأجنبي تقوم فيها ممالكه بسهولة كما تدول بسهولة.

وذلك شبيه بمعنى الوطنية في مصر فإنها لا تعرف غير وحدة القرية وما أظن أن أمة غير