للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأمة المصرية تقام فيها المناحات لسفر قريب أو صديق من مديرية إلى مديرية تجاورها. ويقسم فيها الرجل بغربته وهو في عاصمة وطنه. ولا أحسب أن لهذه الحالة دواء أنجع من نشر الكتابة والقراءة وذيوع الأدب المصري بين قراء المصريين في كل قرية ومدينة.

المصريون لا يكاد يوجد بينهم شيء من وحدة المشاعر ويكاد يكون أبناء النيل اثني عشر مليون فرد وليس هناك أمة. ولا ريب أن ذلك ناجم عن اختلاط العناصر وتوالي الأمم الفاتحة كما أنه يعزي إلى سوء فهم الوطنية الذي قدمنا ذكره. ومن الحكمة استحياء أشد العصبيات أخذاً بقلوب هذه الشراذم المبددة. ولا فرق بين أن تكون عصبية مصلحة أو عصبية تاريخية أو عصبية وطنية مادامت تفضي إلى لم شعثهم وتوجيه نفوسهم إلى وجهة واحدة.

ومن عيوب الأمة المصرية فقدان التخصص وشدة التقارب بين الصنائع والصناع وهو نقص بين فأن مستوى العقل - كما يقول الدكتور يكاد يكون واحداً عند جميع أفراد الأمم الدنيا ذكوراً وإناثاً. . . . . . وأما عند الأمم الراقية فالقاعدة هي اختلاف الأفراد وكذا النوع اختلافاً كبيراً.

ولا نرى إلا أن للخصوبة دخلاً في هذا النقص، فإن الزراعة لا تبعث الحاجة إلى المنافسة كما تبعثها الصناعة. والمنافسة هي باب التفاوت والتنوع في الحرف والمصنوعات. وستضطر الأمة إلى الصناعة لأن الزراعة لا تقوم في هذه الأيام بمطالب الناس. ولقد أحجم أغنياء الأمة عن فتح باب المنافسة بإنشاء المصانع وتبادل النفع مع الأمة لأنهم غرباء عن البلد. وظل أكثرهم إلى زمن غير بعيد ينظر إلى القطر المصري نظرة المهاجر إلى دار هجرته، ويعامل المصريين معاملة الأجانب عنه، وكان أهل الثروة من أبناء النيل في الجيل الماضي أقل شأناً من أن يستقلوا بعمل وأجهل من أن يقدموا على غير الزراعة. ولكنا أصبحنا نرى سراة مصر وقد استوطنوها وارسخوا أقدامهم فيها وارتبطت مصلحتهم بمصلحتها فلا يبعد أن يكون شأنهم في المستقبل غير شأنهم في الماضي ولا سيما إذا عمت الوطنية سكان مصر على السواء وعد من أبنائها كل من ينفعها وينتفع فيها من الوطنيين والنزلاء فأن مصر بحاجة إلى تآلف الأغراض ألفة تشبه ما يعوزها من وحدة المشاعر.

ولا ننس الأخلاق فقد لحقتنا كل أضرار المدنية الغربية ولما نصل إلى شيء من مزاياها.