يعلم قراء البيان أن مما أخذنا على أنفسنا وجعلناه في مقدمة أعمالنا التي اختار الله لنا العمل عليها: أن نعني بنقل أطيب مؤلفات الإفرنج إلى لغتنا العربية حتى يكون هناك مادة غزيرة مؤاتية لهذه اللغة وآدابها وعلومها وحتى لا يحرم أبناؤها أن يجتنوا ثمار قرائح أولئك القوم الذين سبقونا في كل شيء وبلغوا ولاسيما في العلوم والمعارف والآداب مبلغاً لا يكاد يكون بعده مطمع لطامع ولا مطمح لمستزيد
وقد عثر بنا الاختيار أثناء بحثنا عن الأسفار النافعة على كل جليل من أفيد وأمتع وأحكم وأبدع وأبين وأبلغ وأفخم وأنبغ ما كتب الكاتبون وأبان المفصحون ونصح الناصحون - كتاب التقي فيه التاريخ بالفلسفة والأخلاق بل تلاقت فيه العلوم جميعاً وتآخت فبينا ترى كلاماً في سيرة البطل وترجمة حالة إذ تراك تقرأ مبحثا من أجمل وأدق المباحث الفلسفية واذهجم عليك موضوع من أطيب الموضوعات الأخلاقية وإذ مر بك نظرة اجتماعية وطرفة أدبية وما شئت من فصاحة هاشمية وحكمة لقمانية وعلم صحيح وإخلاص صريح.
تكاثرت الظباء على خراش ... فما يدري خراش ما يصيد
أما ذلك الكتاب فهو كتاب الأبطال وعنوانه بالإنكليزية هكذا
-
أي الأبطال وعبادة البطولة - وضعه الكاتب الإنكليزي الأكبر والفيلسوف الأشهر توماس كارليل المولود - سنة ١٧٩٥ والمتوفي سنة ١٨٨١ والذي سنفرد لترجمته مقالاً مشبعاً - وموضوع هذا الكتاب الكلام عن عظماء الرجال وسيرهم وسر عظمتهم والدعوة إلى احترامهم والتشنيع على أولئك الذين مرضت قلوبهم وأمعن الخبث في نفوسهم وفت الكفر في أعضادهم فلا يأبهون بعظيم ولا يحفلون ببطل أياً كان وعلى أية حال وجد رسولاً كان أو نبياً أو مصلحاً أو تقياً أو شاعراً أو كاتباً أو ملكاً أو قائداً - وأبطاله الذين كتب عنهم وأفاض في سيرتهم أطيب إفاضة هم سيدنا ومولانا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم و (أودين) معبود أهالي السويد والنرويج وأمم الشمال في القديم ولوثر ونوكس المصلحان الدينيان ودانتى وشا كسبير الشاعران العظيمان والكتاب جونسون وبارنز وجان جاك روسو والقائدان الكبيران نابوليون بونابرت وكرومويل - فكتب في هؤلاء كتابة مشبعة عميقة منصفة لم يسبقه إليها سابق ولا يكاد يلحقه فيها لاحق كتابة لو قرأها قارئ ولم