للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَمَا سَأَلُوهُ التَّخْفِيفَ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ فَقَالُوا: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} فَهَذَا فِي الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ وَالْمَصَائِبِ وَقَوْلُهُمْ {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالتَّكْلِيفِ فَسَأَلُوهُ التَّخْفِيفَ فِي النَّوْعَيْنِ. ثُمَّ سَأَلُوهُ الْعَفْوَ وَالْمَغْفِرَةَ وَالرَّحْمَةَ وَالنَّصْرَ عَلَى الْأَعْدَاءِ؛ فَإِنَّ بِهَذِهِ الْأَرْبَعَةِ تَتِمُّ لَهُمْ النِّعْمَةُ الْمُطْلَقَةُ وَلَا يَصْفُو عَيْشٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إلَّا بِهَا وَعَلَيْهَا مَدَارُ السَّعَادَةِ وَالْفَلَّاحِ فَالْعَفْوُ مُتَضَمِّنٌ لِإِسْقَاطِ حَقِّهِ قِبَلِهِمْ وَمُسَامَحَتِهِمْ بِهِ وَالْمَغْفِرَةُ مُتَضَمِّنَةٌ لِوِقَايَتِهِمْ شَرَّ ذُنُوبِهِمْ وَإِقْبَالِهِ عَلَيْهِمْ وَرِضَاهُ عَنْهُمْ؛ بِخِلَافِ الْعَفْوِ الْمُجَرَّدِ؛ فَإِنَّ الْعَافِيَ قَدْ يَعْفُو وَلَا يُقْبِلُ عَلَى مَنْ عَفَا عَنْهُ وَلَا يَرْضَى عَنْهُ فَالْعَفْوُ تَرْكٌ مَحْضٌ وَالْمَغْفِرَةُ إحْسَانٌ وَفَضْلٌ وَجُودٌ وَالرَّحْمَةُ مُتَضَمِّنَةٌ لِلْأَمْرَيْنِ مَعَ زِيَادَةِ الْإِحْسَانِ وَالْعَطْفِ وَالْبِرِّ فَالثَّلَاثَةُ تَتَضَمَّنُ النَّجَاةَ مِنْ الشَّرِّ وَالْفَوْزَ بِالْخَيْرِ وَالنُّصْرَةُ تَتَضَمَّنُ التَّمْكِينَ مِنْ إعْلَانِ عِبَادَتِهِ وَإِظْهَارِ دِينِهِ وَإِعْلَاءِ كَلِمَتِهِ وَقَهْرِ أَعْدَائِهِ وَشِفَاءِ صُدُورِهِمْ مِنْهُمْ وَإِذْهَابِ غَيْظِ قُلُوبِهِمْ وحزازات نُفُوسِهِمْ وَتَوَسَّلُوا فِي خِلَالِ هَذَا الدُّعَاءِ إلَيْهِ بِاعْتِرَافِهِمْ أَنَّهُ مَوْلَاهُمْ الْحَقُّ الَّذِي لَا مَوْلَى لَهُمْ سِوَاهُ فَهُوَ نَاصِرُهُمْ وَهَادِيهِمْ وَكَافِيهِمْ وَمُعِينُهُمْ وَمُجِيبُ دَعَوَاتِهِمْ وَمَعْبُودُهُمْ. فَلَمَّا تَحَقَّقَتْ قُلُوبُهُمْ بِهَذِهِ الْمَعَارِفِ وَانْقَادَتْ وَذَلَّتْ لِعِزَّةِ رَبِّهَا وَمَوْلَاهَا وَأَجَابَتْهَا جَوَارِحُهُمْ أُعْطُوا كُلَّمَا سَأَلُوهُ مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَسْأَلُوا