جَاءَ بِهِ كَلَامٌ عَظِيمُ الْقَدْرِ صَادِرٌ عَنْ نَفْسٍ صَافِيَةٍ كَامِلَةِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ لَهَا ثَلَاثُ خَصَائِصَ تَتَفَرَّدُ بِهَا عَنْ غَيْرِهَا. خِصِّيصَةُ قُوَّةِ الْحَدْسِ وَالْعِلْمِ وَخِصِّيصَةُ قُوَّةِ التَّأْثِيرِ فِي الْعَالَمِ السُّفْلِيِّ بِنَفْسِهِ وَخِصِّيصَةُ قُوَّةِ التَّخَيُّلِ الْمُطَابِقِ لِلْحَقَائِقِ بِحَيْثُ يَسْمَعُ فِي نَفْسِهِ الْأَصْوَاتَ وَيَرَى مِنْ الصُّوَرِ مَا يَكُونُ خَيَالًا لِلْحَقَائِقِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ إضَافَةُ كَلَامِهِ إلَى اللَّهِ وَتَسْمِيَتُهُ كَلَامَ اللَّهِ حَيْثُ هُوَ أَمَرَ بِهِ أَمْرًا خَيَالِيًّا. وَفِي الْحَقِيقَةِ عِنْدَهُمْ مَا يَفِيضُ عَلَى سَائِر النُّفُوسِ الصَّافِيَةِ مِنْ الْعُلُومِ وَالْكَلِمَاتِ هِيَ أَيْضًا كَلَامُ اللَّهِ مِثْلُ مَا أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ؛ لَكِنْ هُوَ أَشْرَفُ وَخِطَابُهُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ رَسُولُ الْخَلْقِ تَجِبُ عَلَيْهِمْ طَاعَتُهُ الَّتِي أَخْبَرَتْ بِهَا الرُّسُلُ لَكِنْ يُطْلِقُونَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ؛ وَلِهَذَا يَقُولُونَ: إنَّ " النُّبُوَّةَ " مُكْتَسَبَةٌ فَطَمِعَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَصِيرَ نَبِيًّا كَمَا طَمِعَ السهروردي وَابْنُ سَبْعِينَ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمُلْحِدِينَ. وَقَدْ بَيَّنَّا أُصُولَ أَقْوَالِهِمْ وَفَسَادَهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مِثْلُ كَلَامِنَا عَلَى إبْطَالِ قَوْلِهِمْ: إنَّ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ قُوًى نَفْسَانِيَّةٌ. وَأَمَّا " الْمُعْتَزِلَةُ " وَنَحْوَهُمْ فَيُوَافِقُونَهُمْ فِي أَنَّ اللَّهَ لَا يَتَكَلَّمُ فِي الْحَقِيقَةِ الَّتِي يَعْلَمُ النَّاسُ أَنَّ صَاحِبَهَا يَتَكَلَّمُ بَلْ كَلَامُهُ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ ذَلِكَ حَقِيقَةٌ وَلَيْسَ كَلَامُهُ عِنْدَهُمْ إلَّا أَنَّهُ خَلَقَ فِي الْهَوَاءِ أَوْ غَيْرِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute