فَهَذِهِ حِكْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَمَشِيئَتُهُ فِي جَمِيعِ الْأَسْبَابِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَكِنَّ الْعِلْمَ بِالْأَعْمَالِ النَّافِعَةِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ وَالْأَعْمَالِ الضَّارَّةِ أَكْثَرُهُ غَيْبٌ عَنْ عُقُولِ الْخَلْقِ وَكَذَلِكَ مَصِيرُ الْعِبَادِ وَمُنْقَلَبُهُمْ بَعْدَ فِرَاقِ هَذِهِ الدَّارِ. فَبَعَثَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ؛ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَحِكْمَتُهُ فِي ذَلِكَ تُضَارِعُ حِكْمَتَهُ فِي جَمِيعِ خَلْقِ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ. وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّ عِلْمَهُ الْأَزَلِيَّ وَمَشِيئَتَهُ النَّافِذَةَ وَقُدْرَتَهُ الْقَاهِرَةَ اقْتَضَتْ مَا اقْتَضَتْهُ وَأَوْجَبَتْ مَا أَوْجَبَتْهُ مِنْ مَصِيرِ أَقْوَامٍ إلَى الْجَنَّةِ بِأَعْمَالِ مُوجِبَةٍ لِذَلِكَ مِنْهُمْ. وَخَلَقَ أَعْمَالَهُمْ وَسَاقَهُمْ بِتِلْكَ الْأَعْمَالِ إلَى رِضْوَانِهِ وَكَذَلِكَ أَهْلُ النَّارِ كَمَا قَالَ: الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قِيلَ: لَهُ {أَلَا نَدَعُ الْعَمَلَ وَنَتَّكِلُ عَلَى الْكِتَابِ؟ فَقَالَ: لَا اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ. أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ} . فَبَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ السَّعِيدَ قَدْ يُيَسَّرُ لِلْعَمَلِ الَّذِي يَسُوقُهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ إلَى السَّعَادَةِ وَكَذَلِكَ الشَّقِيُّ. وَتَيْسِيرُهُ لَهُ هُوَ نَفْسُ إلْهَامِهِ ذَلِكَ الْعَمَلَ وَتَهْيِئَةُ أَسْبَابِهِ وَهَذَا هُوَ تَفْسِيرُ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ فَنَفْسُ خَلْقِ ذَلِكَ الْعَمَلِ هُوَ السَّبَبُ الْمُفْضِي إلَى السَّعَادَةِ أَوْ الشَّقَاوَةِ. وَلَوْ شَاءَ لَفَعَلَهُ بِلَا عَمَلٍ بَلْ هُوَ فَاعِلُهُ فَإِنَّهُ يُنْشِئُ لِلْجَنَّةِ خَلْقًا لِمَا يَبْقَى فِيهَا مِنْ الْفَضْلِ. يَبْقَى أَنْ يُقَالَ: فَالْحِكْمَةُ الْكُلِّيَّةُ الَّتِي اقْتَضَتْ مَا اقْتَضَتْهُ مِنْ الْأَسْبَابِ الْأُوَلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute