فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ قَدْ أَدَّى الْفَرَائِضَ كَمَا أُمِرَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَقْصُودُ النَّوَافِلِ وَلَا يَظْلِمُهُ اللَّهُ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ بَلْ يُقِيمُهَا مَقَامَ نَظِيرِهَا مِنْ الْفَرَائِضِ كَمَنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ لِأُنَاسِ يُرِيدُ أَنْ يَتَطَوَّعَ لَهُمْ بِأَشْيَاءَ: فَإِنْ وَفَّاهُمْ وَتَطَوَّعَ لَهُمْ كَانَ عَادِلًا مُحْسِنًا. وَإِنْ وَفَّاهُمْ وَلَمْ يَتَطَوَّعْ كَانَ عَادِلًا، وَإِنْ أَعْطَاهُمْ مَا يَقُومُ مَقَامَ دِينِهِمْ وَجَعَلَ ذَلِكَ تَطَوُّعًا كَانَ غالطا فِي جَعْلِهِ؛ بَلْ يَكُونُ مِنْ الْوَاجِبِ الَّذِي يَسْتَحِقُّونَهُ. وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ " الْمُعْتَزِلَةَ " يَفْتَخِرُونَ بِأَنَّهُمْ أَهْلُ " التَّوْحِيدِ " وَ " الْعَدْلِ " وَهُمْ فِي تَوْحِيدِهِمْ نَفَوْا الصِّفَاتِ نَفْيًا يَسْتَلْزِمُ التَّعْطِيلَ وَالْإِشْرَاكَ. وَأَمَّا " الْعَدْلُ الَّذِي وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ " فَهُوَ أَنْ لَا يَظْلِمَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَأَنَّهُ: مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ وَهُمْ يَجْعَلُونَ جَمِيعَ حَسَنَاتِ الْعَبْدِ وَإِيمَانِهِ حَابِطًا بِذَنْبِ وَاحِدٍ مِنْ الْكَبَائِرِ وَهَذَا مِنْ الظُّلْمِ الَّذِي نَزَّهَ اللَّهُ نَفْسَهُ عَنْهُ فَكَانَ وَصْفُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ بِالْعَدْلِ الَّذِي وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ أَوْلَى مِنْ جَعْلِ الْعَدْلِ هُوَ التَّكْذِيبُ بِقَدَرِ اللَّهِ. (الْخَامِسُ) : أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شَيْئًا يُحْبِطُ جَمِيعَ الْحَسَنَاتِ إلَّا الْكُفْرَ كَمَا أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ شَيْئًا يُحْبِطُ جَمِيعَ السَّيِّئَاتِ إلَّا التَّوْبَةَ. وَ " الْمُعْتَزِلَةُ مَعَ الْخَوَارِجِ " يَجْعَلُونَ الْكَبَائِرَ مُحْبِطَةً لِجَمِيعِ الْحَسَنَاتِ حَتَّى الْإِيمَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} فَعَلَّقَ الْحُبُوطَ بِالْمَوْتِ عَلَى الْكُفْرِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِكَافِرِ وَالْمُعَلَّقُ بِشَرْطِ يَعْدَمُ عِنْدَ عَدَمِهِ. وَقَالَ تَعَالَى:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute