الشاعر نفسه، وكلها اختيرت بعناية وافرة وذوق رفيع، الأمر الذي يدل دلالة واضحة على الحس الأدبي المرهف الذي كان يتحلى به المؤلف.
سابعًا: وكذلك اهتم ثعلب بالأراجيز اهتمامًا كبيرًا، إذ الأراجيز -لصفتها البدوية الأعرابية- تعطيه فرصة كبيرة للشرح والتعليق والاستطراد. فمن الأراجيز التي أتى بها أرجوزة منظور بن حبة:
يا أيها المعتر بالضلال ... إن كنت في تنحل الأقوال
فاسأل فإن العلم بالسؤال ... من فارجون ليلة البلبال
وأرجوزة عبد الرحمن بن منصور، بن عمرو بن كلاب:
أشاقك الربع الخلاء المقفر ... غيره والدهر قد يغير
مر الجديدين وهيف مغبر ... ورائح يتبعه مهجر
وأرجوزة عمر بن عيسى البهدلي:
ضجت ولجت في العقاب والعذل ... صخابة ذات لسان وجدل
إلى غير ذلك من الأراجيز الكثيرة التي أوردها المؤلف مثل أرجوزة معروف بن عبد الرحمن وأرجوزة عمر ذي كلب، وأرجوزة ابن ميادة النونية، فضلًا عن أراجيز عديدة لرجاز كثيرين، الأمر الذي يجعل "المجالس" واحدًا من أهم الكتب التي اهتمت بفن الرجز، وعرض نصوصه أحسن عرض وشرحها أوفى شرح.
ثامنًا: ويتحدث الكتاب عن لهجات العرب في مواضع شتى ويجري مقارنات بين لهجات بعض القبائل، فيقول: ارتفعت قريش في الفصاحة عن عنعنة تميم، وكشكشة ربيعة، وكسكسة هوازن، وتضجع قيس وعجرفية ضبة، وتلتلة بهراء.
ثم يستطرد أبو العباس شارحًا هذه القضايا من عنعنة وكشكشة، وكسكسة إلى آخر ما ذكر من عيوب القبائل.
ويضرب أبو العباس مثالًا للكشكشة التي هي جعل الشين مكان الكاف من خلال رجز لرجل من ربيعة في قوله:
علي فيما أبتغي أبغيش ... بيضاء ترضيني ولا ترضيش
وتطبي ود بني أبيش ... إذا دنوت جعلت تنئيش
وإن نأيت جعلت تدنيش ... وإن تكلمت حثت في فيش
حتى تنقى كنقيق الديش
ولكي نتخلص من الكشكشة فما علينا إلا أن نجعل مكان "الشين" كافًا حتى تعود إلينا