تاسعًا: ويضمن أبو العباس مجالسه أو بالأحرى موضوعات تعليمه يكون التفريغ والاستطراد من خلالها ميسرًا حسبما ذكرنا، فيجعل موضوعه مثلًا حول الخيل وأجودها، أو حول التمر والرطب، أو صفة الأعراب للمطر والبرد فيحتل هذا الموضوع من كتابه ما يناهز العشر صفحات، أو صفة الأعراب للنبت والمرعى والغيثن ويفيض أبو العباس في ذلك أيضًا بحيث لا يجعل فيه مزيدًا لمستزيد، أو الماء والشجر ويأتي فيه أيضًا بالعجيب الغريب من الأسماء والصفات، ووصف الضب في شعر يستغلق فهمه على غير المختص لما فيه من ألفاظ غريبة وسمات لا يعرفها إلا من عاشر البدو وتعرف بالضب وأكله كما يأكله الأعراب.
عاشرًا: وكتاب المجالس ليس بعيدًا عن الأحداث التاريخية وروايتها والاهتمام بها، وإن مؤلفه يدلف بين الحين والحين إلى لب الأحداث التاريخية يعرضها عرض الثقات ويردد ما حولها من نصوص ويشرح ما قد أحاط بها من مواقف. إنه على سبيل المثال يعرض لمقتل الحسين، ولموقف أبي بكر من الأنصار، ولعلي زين العابدين بن الحسين، ولمعاوية وعتبة بن أبي سفيان يوم التحكيم، وكتاب معاوية إلى مروان في بيعة يزيد، ونصيحة المنصور لابنه المهدي في شأن أخلاق الخليفة، كل ذلك لا يشكل أخبارًا وأحداثًا تاريخية وحسب، وإنما يؤلف وثائق تاريخية بالغة الأهمية وإن بدت في نظر بعض الناس مجرد أخبار وشتيت روايات.
حادي عشر: وإن شخصية ثعلب الجادة الوقورة لم تمنعه من أن يطرز كتابه بطرفة من هنا أو نكتة من هناك أو خبر خفيف يزيح عن كاهل النفس مشقة الدرس ومتاعب التركيز، ففضلًا عن الأخبار الاجتماعية التي أشرنا إليها قبل قليل مثل وصف أعرابية لأبغض الرجال والنساء، أو حديث امرأة زوجت أولادها، بأبي ثعلب بكثير من الطرف الأدبية مثل مية مولاة معاوية وبعض نوادر السائلين معها، أو عروة بن أذينة وهشام بن عبد الملك، أو عمر بن أبي ربيعة وعبد الملك بن مروان، أو الأصمعي والرشيد في مواقف متعددة، أو خبر هلال بن الأسعر حتى جاع فذبح بعيره وأكله، أو ذم بغداد، هذا فضلًا عن أخبار الأعراب والأعرابيات وأقوالهم التي لا تخلو من غرابة.
وفي الوقت الذي يطرز ثعلب كتابه بهذه الطرائف، فإنه لا يغفل أن يزينه بالكثير من الأقوال الحكيمة التي جرت على ألسنة عقلاء العرب وحكمائهم، هذا فضلًا عن ذكر مواقف