تعلق بهم وهم الْأَكْثَر من أهل الْمصر فتعظم بذلك الثروة وتزيد عوائد الترف وتستحكم الصَّنَائِع فِي سَائِر فنونه وَهَذِه هِيَ الحضارة وَلذَلِك تَجِد الامصار القاصية وَلَو توفر عمرانها يغلب عَلَيْهِ احوال البداوة فِي جَمِيع مذاهبها بِخِلَاف مدن الاقطار الَّتِي هِيَ مَرْكَز الدولة ومقرها وَذَلِكَ لمجاورة السُّلْطَان وفيض امواله فيهم كَالْمَاءِ يخضر مَا يقرب مِنْهُ إِلَى أَن يَنْتَهِي فِي الْبعد مِنْهُ إِلَى الجفوف ثمَّ إِذا اتَّصَلت تِلْكَ الدولة وتعاقب مُلُوكهَا على ذَلِك الْمصر وَاحِدًا بعد وَاحِد استحكمت الحضارة فيهم وزادت رسوخا واستقرارا
شَوَاهِد اعْتِبَار
أَحدهَا أَن الشَّام لما طَال فِيهِ ملك الْيَهُود نَحوا من ألف واربع مائَة سنة رسخت فِيهِ حضارتهم وتحذقوا فِي عوائد المعاش والتفنن فِي صنائعه من المطاعم والملابس وَسَائِر احوال الْمنزل
الثَّانِي أَن مصر لما دَامَ فِيهَا ملك القبط ثَلَاثَة آلَاف سنة رسخت أَيْضا عوائد الحضارة فِي بلدهم واعقبهم فِيهَا ملك الْإِسْلَام النَّاسِخ فَلم تزل عوائد الحضارة بهَا مُتَّصِلَة
الثَّالِث أَن الْيمن لما اتَّصَلت بِهِ دولة الْعَرَب مُنْذُ عهد العمالقة والتبابعة الافا من السنين واعقبهم ملك مُضر رسخت فِيهِ أَيْضا عوائد الحضارة
الرَّابِع أَن الْعرَاق لما توالت فِيهِ دوَل النبط وَالْفرس من لدن الكلدانين والكينية والكسروية وَالْعرب بعدهمْ الافا من السنين رسخت الحضارة أَيْضا