للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مُخَالفَة الْإِجْمَاع، وَلَا يسْتَلْزم وجود الْوَاجِب وجود الْعَالم، بل وجود الْعَالم وَعَدَمه جائزان بِالنِّسْبَةِ إِلَى وجود الْحق على مَا ذهب إِلَيْهِ المتكلمون

قَالَ أهل الْحق: منشأ عدم الْعَالم فِي الْقدَم إِلَى حِين وجوده هُوَ منشأ وجوده فِي وَقت وجوده

[وَلَيْسَ خلقه فِي وَقت دون سَائِر الْأَوْقَات من تَرْجِيح أحد طرفِي الْمُمكن بِلَا مُرَجّح، بل من تَرْجِيح الْمُخْتَار أحد المتساويين من غير دَاع، فَإِن قيل: لَو كَانَ الْعَالم حَادِثا فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن لَا يكون بَينه وَبَين الرب تَعَالَى مُدَّة، أَو يكون مُدَّة، فَإِن كَانَ الأول لزم تقارن الْوُجُود فَيلْزم إِمَّا الْحُدُوث للحدوث، أَو الْقدَم للقدم، وكلا الْأَمريْنِ خلاف الْغَرَض وَإِن كَانَ الثَّانِي فالمادة إِمَّا متناهية أَو لَا، فَإِن كَانَ الأول لزم التناهي لوُجُود الرب تَعَالَى وَهُوَ مُمْتَنع، وَإِن كَانَ الثَّانِي لزم قدم الزَّمَان، وَإِذا أمكن وجود مُدَّة لَا تتناهى أمكن وجود عدم لَا يتناهى قُلْنَا: إِن أُرِيد بِلَفْظ الْمدَّة الزَّمَان فالتقسيم إِنَّمَا يَصح فِيمَا هُوَ قَابل للتقدم والتأخر والمعية بِالزَّمَانِ لَا فِيمَا لَا قَابل لذَلِك، والباري سُبْحَانَهُ لَيْسَ قَابلا للتقدم بِالزَّمَانِ وَلَكِن وجوده غير زماني، وَكَذَلِكَ بِالْمَكَانِ لِأَن وجوده لَيْسَ وجودا مكانيا، فَكَمَا اسْتَحَالَ تقدمه بِالزَّمَانِ كَذَلِك اسْتَحَالَ تقدمه بِالْمَكَانِ، فَلَا يلْزم من نفي الْمدَّة الزمانية بَين الْبَارِي وَبَين الْعَالم وَمن نفي تقدم الْبَارِي على الْعَالم بِالزَّمَانِ الْمَعِيَّة بَينهمَا، كَمَا لَا يلْزم من القَوْل بِنَفْي الْمَكَان التَّقَدُّم بِهِ على الْعَالم الْمَعِيَّة بَينهمَا وَلَو لزم من نفي تقدم أحد الشَّيْئَيْنِ على الآخر بِالزَّمَانِ الْمَعِيَّة بَينهمَا للَزِمَ أَن يكون الزَّمَان الْمَاضِي مَعَ الحالي، والحالي مَعَ الْمُسْتَقْبل، لِاسْتِحَالَة تقدم الزَّمَان على الزَّمَان بِالزَّمَانِ، وَإِذا أُرِيد بالمدة الزَّمَان كَانَ التَّقْسِيم خطأ، إِذْ الزَّمَان من الْعَالم وَالْكَلَام وَاقع فِيهِ، فَإِذا قيل: بَين الْبَارِي وَبَين الْعَالم زمَان أَولا كَانَ حَاصله يرجع إِلَى أَن يكون بَين زمَان الزَّمَان وَبَين الْبَارِي تَعَالَى زمَان أَولا وَهُوَ محَال، إِذْ الزَّمَان الَّذِي وَقع الْخلاف فِيهِ لَا يكون مُتَقَدما على نَفسه بِحَيْثُ يفْرض أَنه بَين الْبَارِي وَبَين نَفسه هَذَا كُله إِذا أُرِيد بالمدة الزَّمَان، وَأما إِذا أُرِيد بالمدة معنى تقديري وَهُوَ مَا يقدره الْمُقدر مَعَ نَفسه وتصوره فِي وهمه من الْمدَّة الَّتِي لَا نِهَايَة لَهَا، كَذَلِك مِمَّا لَا حَقِيقَة لَهُ وَلَا وجود، وَإِنَّمَا هُوَ تقديرات الأوهام، وَلَا يخفى أَن إِثْبَات الْمدَّة بِهَذَا الِاعْتِبَار غير مُوجب لَا لتقدم الزَّمَان، وَلَا نَفيهَا مُوجب للمعية بَين الْبَارِي تَعَالَى والعالم]

والعالم: اسْم جنس متكثر غير مَحْصُور فِي عدد والحقائق الْمُخْتَلفَة إِذا اشتركت فِي مَفْهُوم اسْم فَهِيَ من حَيْثُ اختلافها تَقْتَضِي أَن يعبر عَن كل وَاحِدَة على حِدة وَمن حَيْثُ اشتراكها يَقْتَضِي أَن يعبر عَن الْكل بِلَفْظ وَاحِد، وَالْفَاعِل لم يجمع على الفاعلين إِلَّا الْعَالم، والياسم، وَجَاز جمعه بِالْوَاو وَالنُّون، وَإِن كَانَ شاذا لمشابهة هَذَا الِاسْم الصّفة من جِهَة أَن فِيهِ دلَالَة على معنى زَائِد على الذَّات هُوَ كَونه يعلم وَيعلم بِهِ، بِخِلَاف لفظ الْإِنْسَان مثلا فَإِنَّهُ لَا دلَالَة فِيهِ على ذَلِك، وَإِن كَانَ

<<  <   >  >>