للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْنى الْبعيد، وَالْمعْنَى الْقَرِيب أحد الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة، وَلَوْلَا ذكر الْمَفْرُوض بعده لم يتَنَبَّه السَّامع لِمَعْنى الْمَنْدُوب، وَلَكِن لما ذكره تهيأت التورية بِذكرِهِ

أَو تكون التورية فِي لفظين لَوْلَا كل مِنْهُمَا لما تهيأت التورية فِي الآخر نَحْو قَوْله:

(أَيهَا المنكح الثريا سهيلا ... عمرك الله كَيفَ يَلْتَقِيَانِ)

فَإِن المُرَاد من الثريا عَليّ بن عبد الله بن الْحَارِث، وَمن سُهَيْل رجل مَشْهُور من المين، وَكِلَاهُمَا معنى بعيد، وَلَوْلَا ذكر الثريا الَّتِي هِيَ النَّجْم لم يتَنَبَّه السَّامع لسهيل الَّذِي هُوَ النَّجْم أَيْضا، وَلَوْلَا ذكر سُهَيْل لما فهمت الثريا الَّتِي هِيَ النَّجْم، فَكل وَاحِد مِنْهُمَا هيأ صَاحبه للتورية

التَّأْثِير: أثر فِيهِ تَأْثِيرا: ترك فِيهِ أثرا، فالأثر مَا ينشأ عَن تَأْثِير الْمُؤثر، وتأثير الْمُؤثر فِي الْأَثر لَا بعد وجود الْأَثر، بل زمَان وجوده، لَا يمْتَنع ذَلِك كَمَا فِي الْعلَّة مَعَ معلولها، وَإِنَّمَا الْمُمْتَنع معيتهما بِالذَّاتِ كَمَا فِي الْعلَّة مَعَ معلولها أَيْضا لتأخر الْمَعْلُول بِالذَّاتِ عَن الْعلَّة، وَكَذَا عدم الْمَعْلُول فَإِنَّهُ يتَأَخَّر عَن عدم الْعلَّة لتأخر الْمَعْلُول عَن الْعلَّة بِالذَّاتِ

فالمؤثر إِنَّمَا يُؤثر فِي الْأَثر لَا من حَيْثُ هُوَ مَوْجُود وَلَا مَعْدُوم

ثمَّ اعْلَم أَن الْمُؤثر إِمَّا الشَّيْء النفساني فِي مثله، أَو الجسماني فِي مثله، أَو فِي النفساني، أَو بِالْعَكْسِ

الأول: كتأثير المبادئ الْعَالِيَة فِي النُّفُوس الناطقة الإنسانية بإفاضة الْعُلُوم والمعارف، وَيدخل تَحت هَذَا النَّوْع الْوَحْي والكرامات لانهما إفَاضَة الْمعَانِي الْحَقِيقِيَّة على النُّفُوس البشرية المستعدة لذَلِك، وَيدخل تَحت هَذَا أَيْضا صنفان من الْآيَات والمعجزات: أَحدهمَا مَا يتَعَلَّق بِالْعلمِ الْحَقِيقِيّ، وَهُوَ أَن يُؤْتى النَّفس المستعد لذَلِك كَمَال الْعلم من غير تَعْلِيم وَتعلم حَتَّى يُحِيط بِمَعْرِِفَة حقائق الْأَشْيَاء على مَا هِيَ عَلَيْهِ فِي نفس الْأَمر بِقدر الطَّاقَة البشرية، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " أُوتيت جَوَامِع الْكَلم " وَقد أُوتِيَ علم الْأَوَّلين والآخرين مَعَ كَونه أُمِّيا

وَثَانِيهمَا: مَا يتَعَلَّق بالتخيل الْقوي بِأَن يلقى إِلَى من يكون مستعدا للتخيل الْقوي مَا يُقَوي على تخيلات الْأُمُور الْمَاضِيَة والاطلاع على المغيبات الْمُسْتَقْبلَة، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {تِلْكَ من أنباء الْغَيْب نوحيها إِلَيْك مَا كنت تعلمهَا} وَقَالَ تَعَالَى: {الم غلبت الرّوم فِي أدنى الأَرْض وهم من بعد غلبهم سيغلبون فِي بضع سِنِين} وَيدخل تَحت هَذَا النَّوْع أَيْضا: [أَولا] المنامات والإلهامات لِأَنَّهَا تلقي للنَّفس مَا فِي المبادئ الْعَالِيَة من صور الْحَوَادِث، وَكَذَا يدْخل تَحت هَذَا النَّوْع صنف من السحر، وَهُوَ تَأْثِير النُّفُوس البشرية القوية فِيهَا قوتا التخيل وَالوهم فِي نفوس بشرية أُخْرَى ضَعِيفَة فهيا هَاتَانِ القوتان كنفوس البله وَالصبيان وَالنِّسَاء والعوام الَّذين لم تقو قوتهم الْعَقْلِيَّة على قمع التخيل وَترك عَادَة الانقياد، فتتخيل مَا لَيْسَ بموجود فِي الْخَارِج

مَوْجُودا فِيهِ، وَمَا هُوَ مَوْجُود فِيهِ تتخيله على ضد الْحَال الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا وَمن هَذَا الْقَبِيل مَا فعله

<<  <   >  >>