للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فَقَالَ بعد ذكره قَول أبي عُبيدة، والأَخفش: القولُ عِنْدِي فِي هَذَا واضحٌ، الْمَعْنى: لئلاّ يكون للناسِ عَلَيْكُم حُجة إِلَّا مَن ظلم باحتجاجه فِيمَا قد وضح لَهُ، كَمَا تَقول: مَا لَك عليّ حُجّةٌ إِلَّا الظُّلم، وَإِلَّا أَن تَظْلمني.

الْمَعْنى: مَا لَك عليّ حُجةٌ أَلْبَتَّة، ولكنّك تَظلمْني، وَمَا لَك عَليّ حُجَّةٌ إِلَّا ظُلْمي.

وَإِنَّمَا سُمّي ظُلْمه هَا هُنَا حُجةً، لِأَن المحتجّ بِهِ سَماه حُجةً، وحُجته داحضةٌ عِنْد الله، قَالَ الله تَعَالَى: {لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ} (الشورى: ١٦) ، فقد سُمِّيت حُجة، إِلَّا أَنَّهَا حُجة مُبْطل، فَلَيْسَتْ بحُجة مُوجبَة حقّاً.

وَهَذَا بَيَان شافٍ إِن شَاءَ الله.

وَأما قولُه تَعَالَى: {ءَامِنِينَ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَاّ} (الدُّخان: ٥٦) ، فَمَعْنَى (إِلَّا) هَا هُنَا بِمَعْنى سوى، الْمَعْنى: لَا يَذُوقون فِيهَا الْمَوْت الْبَتَّةَ، ثمَّ نوى تَكْرِير (لَا يذوقون) أَي: لَا يَذوقون سوى المَوْتة الأولى.

وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَءَابَاؤُكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ إِلَاّ مَا قَدْ سَلَفَ} (النِّسَاء: ٢٢) .

أَراد: سوى مَا قد سلف.

وَأما قَوْله تَعَالَى: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌءَامَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا إِلَاّ قَوْمَ يُونُسَ} (يُونُس: ٩٨) . مَعْنَاهُ: فهلاّ كَانَت قَرْيَة آمَنت، أَي: أهل قَرْيَة آمنُوا. وَالْمعْنَى معنى النَّفي، أَي فَمَا كَانَت قَرْيَة آمنُوا عِنْد نُزول العَذاب بهم فنَفَعها إيمانُها. ثمَّ قَالَ: إِلَّا قوم يُونس، اسْتثِْنَاء لَيْسَ من الأَول، كَأَنَّهُ قَالَ: لَكِن قومُ يُونس لما آمنُوا، وَذَلِكَ أنّهم انْقَطَعُوا من سَائِر الْأُمَم الَّذين يَنْفعهم إِيمَانهم عِنْد نُزول الْعَذَاب بهم.

وَمثله قولُ النَّابِغَة:

أَعْيَت جَوَابا وَمَا بالرَّبْع من أَحَدٍ

إِلَّا ألأوارِيّ لأْياً مَا أُبَيِّنها

فنصب أواريّ على الِانْقِطَاع من الأوّل.

وَهَذَا قَول الفَراء وَغَيره من حُذّاق النَّحويِّين.

وأَجازوا الرّفع فِي مثل هَذَا، وَإِن كَانَ المُسْتثنى لَيْسَ من الأول، وَكَانَ أَوله منفياً، يَجعلونه كالبدل؛ وَمن ذَلِك قَوْله:

وَبلْدةٍ لَيْسَ بهَا أَنِيسُ

<<  <  ج: ص:  >  >>