للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحق في هذا أن المشاهدة والتجربة الصحيحة تشهد للائتلاف والمودة عند التناسب، والتناسب في الطباع والأخلاق أمر لا ينكر، فقد روى أن امرأة بمكة كانت تضحك النساء وكان بالمدينة أخرى فنزلت المكية على المدنية فدخلت على عائشة رضي الله عنها فأضحكتها، فقالت: أين نزلت، فذكرت لها صاحبتها، فقالت: صدق الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف" رواه الحسن بن سفيان في مسنده بسند حسن وذكره البخارى تعليقًا بدون القصة، فشبه الشيء منجذب إليه، والطيور على أشكالها تقع. كان مالك بن دينار يقول: لا يتفق اثنان في عِشرة إلا وفى أحدهما صف من الآخر يناسبه.

وأما الأسباب التى أوجبت تلك المناسبة فلا يصح أن يسأل عنها إذ ليس في قوة البشر الاطلاع عليها والإحاطة بها ولا معنى للخوض فيما لم يكشف سره للبشر فما أوتينا من العلم إلَّا قليلًا، ويكفينا في التصديق بذلك التجربة والمشاهدة.

(وجملة القول) أن كل إنسان يأنس إلى شكله كما أن كل طير يطير مع جنسه، إذا اصطحب اثنان برهة عن زمان ولم يتشاكلا في الحال والوصف فلابد من أن يفترقا، وأن ما يقوله المنجمون في ذلك هذيان لا يصح الركون إليه.

وممَّا يؤسف له أن هذه الخرافات أكثر ما تكون في الأمصار والقرى بين المسلمين، وأن المروج لها غالبًا هم المسلمون.

ومن الأوهام القديمة اعتقادهم تأثير الكتابة مثلًا في جلب المحبة أو إيقاع البغض بين اثنين، فيذهب أحدهم إلى أحد الدجالين ليعمل له عملًا يجذب به إليه قلب إنسان، أو يفرق به بين المرء وزوجه، فيشير عليه ذلك الدجال بعمل كتابة على شيء مخصوص يعلق في الهواء أو يدفن في مقبرة أو تحت عتبة الدار، أو بعمل كتابة على إناء ثم تمحى بالماء ليشرب منه المعمول له أو يرش في طريقه، وهذه خرافة لا أساس لها من الحقيقة العلمية وفى أيدى هؤلاء الدجالين مؤلفات يفتحونها للدهماء ويعملون منها لهم هذه الخزعبلات مثل كتاب أبي معشر الفلكى، وكتاب الديربي.

<<  <   >  >>