خفض الجناح ما تأخر إلنبى عليه الصلاة والسلام عنه إذ هو المخاطب بالآية وأعلم بمدلولها وأول من يبادر إلى امتثال أمر الله تعالى، كيف وقد ثبت النهى عنه، فقد
روى أبو داود ابن ماجه بإسناد حسن عن أبى أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متوكئًا على عصا فقمنا إليه فقال:"لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضها بعضًا". فعدم قيامه -صلى الله عليه وسلم- لهم ونهيهم عن القياء دليل واضح على أن المراد بخفض الجناح التواضع لهم ومخاطبتهم باللين ومؤانستهما بحديثه وتعليمهم ما به صلاحهم ونحو ذلك لا القيام لهم، وإلا لزم عليه عدم امتثاله -صلى الله عليه وسلم- أمر ربه، ولا قائل به، فتم أن الآية دليل لعدم القيام لا لطلبه.
ومنها قوله -صلى الله عليه وسلم-: "قوموا إلى سيدكم" يعنى سعد بن معاذ رضي الله عنه، وهو لا يصلح دليلًا على طلب القيام على جهة البر والإكرام وإلا قام عليه الصلاة والسلام وأصحابه الحاضرون معه في ذلك المجلس لسيدنا سعد، مع أنه لم يقم هو ولا أحد من المهاجرين وغيرهم ما عدا أتباع سعد، وذلك دليل على أن أمره بالقيام لأتباء سعد لأمر آخر غير البر والاحترام، بل لينزلوه عن الدابة لمرض كان به، كما هو بين في بساط الحديث.
وعادة العرب أن القبيلة تخدم سيدها أو نحو ذلك وإلا لزم عليه أنه -صلى الله عليه وسلم- أمر بخير وتأخر عن فعله، بل لزم عليه أن أصحابه المهاجرين ونحوهم تأخروا عم امتثال أمره عليه الصلاة والسلام حيث لم يقوموا لسعد، بل لزم أنه أمر بضد ما نهى عنه لما علمت أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن القيام ولم يثبت النسخ ولا قائل بشيء من ذلك.
ومنها قيام طلحة ين عبيد الله لكعب رضي الله عنهما المذكور في الحديث الطويل، المشهور المتعلق بتوبة كعب، من كان معه حيث قال كعب فيه:"وانطلقت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى دخلت المسجد وإذا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس حوله الناس، فقام إلى طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحنى وهنأنى والله ما قام إلى رجل من المهاجرين غيره ولا أنساها لطلحة" وأنت تراه دليلًا جليًّا على عدم جواز القيام للبر