للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فليس فينا من يغار على الآداب والأعراض؛ فلا أب تحركه نخوة الرجولة فيهذب ابنته ويراقبها، ولا أخ يهتم لصون عفاف أخته، وحفظ شرف أسرته ولا زوج تدفعه الغيرة فيكبح جماح امرأته، حتى عم الفساد وساء الحال:

{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (١)

ومن العادات المحرمة: تقليد الأجانب في الملابس والأزياء حتى انتشر ذلك في النساء والأطفال، فإذا وقع بصرك على امرأة أو ابنة مثلًا رأيتها إفرنجية في كل شيء، وهى زوجة أو ابنة لمن يعد نفسه من جماعة المسلمين، وهذا ضلال يفضى بالأمة إلى تلاشى قوميتها وعاداتها وشعارها حتى تندمج في غيرها، وهذه البدعة القبيحة قد ورد التنبؤ بها والتحذير منها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتى بأخذ القرون قبلها شبرًا يشبر وذراعًا بذراع" فقيل: يا رسول الله كفارس والروم؟ فقال: "ومن الناس إلا أولئك؟ " رواه البخارى.

ولا ينافى هذا ما سبق من أنهم اليهود والنصارى لأن الروم نصارى وفى الفرس كان يهود، فهذا الحديث أيضًا من دلائل النبوة.

وقد عرفت أن منشأ هذه البدعة تساهل المسلمين في مخالطة الأجانب حتى فتنوا بزخارفهم وشغلوا عن محاسن دينهم القويم، وأفضى ذلك بفريق من جهلة الشبان والفتيات إلى محاربة القضاء على قومية الأمة، بل على دينها الرسمى بلبس القبعة وهو منكر شرعًا وعقلًا كما سبق مفصلًا، والأيام حبالى بالعجائب:

{وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} (٢).

ومن المختلف فيه المعانقة: كرهها الإمام مالك رضي الله عنه لأنها لم ترو عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا مع جعفر ولم يصحبها العمل من الصحابة بعده. قال ابن رشد في كتابه "البيان والتحصيل": ولأن النفوس تنفر عنها لا تكون إلا لوداع من فرط ألم الشوق أو مع الأهل.

ودخل سفيان بن عيينة على مالك فصافحه مالك وقال له: لولا أن المعانقة بدعة لعانقتك، فقالا سفيان: عَانَقَ من هو خير مني ومنك النبي -صلى الله عليه وسلم-، عانق جعفرًا حين قدم الحبشة، قال مالك: ذلك خاص بجعفر، قال سفيان: بل عام،

ما يخص جعفرًا يخصنا، وما يعم جعفرًا يعمنا


(١) [سورة الأعراف: الآية ٢٣].
(٢) [سورة الجن: الآية ١٠].

<<  <   >  >>