للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وركوبها في غير صحبة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا غاية في الزجر عن لعن الحيوان فما بالك بالدين؟ وروى أيضًا من حديث أبى الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ولا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة"، وروى أحمد والطبرانى: أنه قال رجل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أوصنى، فقال: "أوصيك أن لا تكون لعانًا"، وقال أبو الدرداء: "ما لعن أحد الأرض إلا قالت: لعن الله أعصانا لله".

ومن هنا تعلم حال ما تساهل فيه الناس من لعن يزيد بن معاوية على زعم أنه أمر بقتد الحسين رضي الله عنه. قال في "الإحياء" ما ملخصه:

هل يجوز لعن يزيد لأنَّه قاتل الحسين أو أمر به؟

(الجواب) هذا لم يثبت أصلًا، فلا يجوز أن يقال إنه قتله أو أمر به ما لم يثبت فضلًا عن اللعنة؛ لأنَّه لا يجوز نسبة مسلم إلى كبيرة من غير تحقيق (نعم) يجوز أن يقال قتل ابن ملجم عليًّا، وقتل أبو لؤلؤة عمر رضي الله عنه فإن ذلك ثبت متواترًا، فلا يجوز أن يرمى مسلم بفسق وكفر من غير تحقيق. قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يرمى رجل رجلًا بالكفر ولا يرميه بالفسق إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك" متفق عليه.

فإن قيل: فهل يجوز أن يقال قاتل الحسين لعنه الله أو الآمر بقتله لعنه الله؟ (قلنا) الصواب أن يقال قاتل الحسين إن مات قبل التوبة لعنه الله لاحتمال أن يموت بعد التوبة فإن وحشيًّا قاتل حمزة عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قتله وهو كافر ثم تاب عن الكفر والقتل فلا يجوز أن يلعن. والقتل كبيرة ولا تنتهى إلى درجة الكفر فإذا لم يقيد بالتوبة وأطلق كان فيه خطر. انتهى.

فلا يجوز أز يطلق اللسان باللعنة إلا على من مات على الكفر أو الأجناس المعروفين بأوصافهم دون الأشخاص المعينين، فال تعالى: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} (١) وثبت في الصحيح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لعن الله الواصلة والمستوصلة" والواصلة: التي تصل شعرها أو شعر غيرها بشعر آخر، والمستوصلة: التى تسأل من يفعل لها ذلك وأنَّه قال: "لعن الله آكل الربا وموكله" رواه مسلم، وزاد الترمذى وغيره: "وشاهديه وكاتبه"، وأنَّه قال: "لعن الله من غير منار الأرض": أي حدودها،


(١) [سورة هود: الآية ١٨].

<<  <   >  >>