"ألحن": اللحن هو الميل عن جهة الاستقامة، والمراد أن بعض الخصماء يكون أعرف بالحجة وأفطن لها من غيره، وقوله:"بنحو ما أسمع": أي من الدعوى والإجابة والبينة أو اليمين وقد تكون باطلة في الواقع فيقتطع من مال أخيه قطعة من النار باعتبار ما يؤول إليه من باب { … إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا … }(١): أي الذى قضيت له بحسب الظاهر إذا كان في الواقع لا يستحقه فهو عليه حرام يؤول به إلى النار وهو تمثيل يفهم منه شدة التعذيب على ما يتعاطاه، والحديث دليل على إثم من خاصم في باطل حتى استحق به في الظاهر شيئًا هو في الباطن حراء عليه، وأن حكم الحاكم لا يحل الحرام، فإياكم أن تعينوا ظالمًا على ظلمه وأن تقبلوا القضايا إلا إذا علمتم حقيقتها، ولتكن خصومتكم على الوجه المشروع فيها من غير لدد ولا عناد.
ومن العادات السيئة: الجناية على الدين الإسلامى بالسب وتنقيصه باللعن، وكذا الملة والمذهب، وهو غاية في القبح لا يكاد يصدر من عاقل ذى دين، ابتدعها اليهود لعنة الله عليهم وسرت عدواها إلى المنتسبين إلى الإسلام وهو منهم براء حتى انتشرت بين الأحداث من أبنائهم، أدخلها الشيطان على الرعاع ليخرجوا بها عن دين الله، وتنفسخ بها أنكحتم، وتصبح ذريتهم شرًّا على المجتمع الإنسانى.
وكيف تطيب نفس امرئ في قلبه ذرة عن إيمان أن ينال من دين أكمله الله واستخلصه لنفسه وارتضاه لعباده!؟ إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن لعن أي شيء من جماد أو حيوان أو إنسان، فكيف بالدين الذى تبذل لأجله الأوراح قبل الأموال؟
فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يكون المؤمن لعانًا" رواه الترمذى وقال: حسن غريب، وقال عمران بن حصين: بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره امرأة من الأنصار على ناقة لها فضجرت منها فلعنتها فقال -صلى الله عليه وسلم-: "خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة" قال: فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد" رواه مسلم وغيره وفي رواية له: "لا تصاحبنا ناقة عليها لعنة". والمراد النهى عن أن تصاحبهم تلك الناقة لا النهى عن بيعها وذبحها