للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(وتارة) يكون يسبب أنه يدخل في بعض الأجساد على بعض الكيفيات ريح متعفن تعلقت به روح خبيثة تناسبه فيحدث الجنون أيضًا على أتم وجه، وربما استولى ذلك البخار على الحواس وعطلها، واستقلت تلك الروح الخبيثة بالتصرف فتتكلم وتبطش وتسعى بآلات ذلك الشخص الذى قامت به من غير شعور له بشيء من ذلك أصلًا، وهذا كالمشاهد المحسوس الذى يكاد يعد منكره مكابرًا في المحسوسات.

ومن تتبع الأخبار النبوية وجد الكثير منها قاطعًا بجواز وقوع ذلك من الشيطان بل وقوعه بالفعل وخبر " الطاعون من وخز أعدائكم الجن " صريح في ذلك. الوخز: طعن ليس بنافذ.

قال بعض العلماء: أن الهواء إذا تعفن تعفنًا مخصوصًا مستعدًّا للخلط والتكوين تنفرز منه وتنحاز أجزاء سمية باقية على هوائيتها، أو منقلبة بأجزاء نارية محرقة، فيتعلق بها روح خبيثة تناسبها في الشرارة وذلك نوع من الجن، فإنها على ما عرف في الكلام أجسام حية لا ترى، والغالب عليها الهوائية، أو النارية، ولها

أنواع عقلاء وغير عقلاء تتوالد وتتكون، فإذا نزل واحد منها طبعًا أو إرادة على شخص، أو نفذ في منافذه، أو ضرب وطعن نفسه به يحصل فيه بحسب ما في ذلك الشر من القوة السمية ما في الشخص من الاستعداد للتأثر منه كما هو مقتضى الأسباب العادية في المسببات ألم شديد مهلك غالبًا، مظهر للدماميل والبثرات في الأكثر، بسبب إفساده للمزاج المستعد، وممَّا لا ريب فيه أن من النفوس سواء أكانت من الإنس أم من الجن نفوسًا قوية وأخرى ضعيفة، وأن بعض ذوى النفوس القوية قد يستولى على ذى النفس الضعيفة استيلاءً تامًّا يفقدها إرادتها في كل شئونها، وهذا ليس خاصًّا بالنفوس البشرية، بل قد تستولى بعض النفوس الكبيرة من الجن على بعض النفوس الضعيفة من الإنس فتسلبها الإرادة تجعلها لا تصدر في شيء إلا عن إرادتها، يقرب هذا جدًّا مما يشاهد في عمليات التنويم المغناطيسي.

والمعتزلة قالوا: إن كون الصرع والجنون من الشيطان باطل؛ لأنَّه لا يقدر على ذلك كما قال الله تعالى حكاية عنه: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} (١)، وأما قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا


(١) [سورة إبراهيم: الآية ٢٢].

<<  <   >  >>